أقروا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين سئلوا بعد ذلك عن سبب الظلم أو التقصير تقريعا وتوبيخا. فإن قيل : ما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنه لم يصدر عنهم تقصير البتة؟ قلنا : ليلتحق كل التقصير بالأمة فيتضاعف إكرام الله تعالى في حق الرسل لظهور براءتهم عن جميع مواجب التقصير ، ويتضاعف أسباب الخزي والإهانة في حق الكفار. فإن قلت : كيف الجمع بين قوله : (فَلَنَسْئَلَنَ) وبين قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] فالجواب بعد تسليم اتحاد الزمان والمكان أن القوم لعلهم لا يسألون عن الأعمال لأن الكتب مشتملة عليها ولكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إليها وعن الصوارف التي صرفتهم عنها. أو المراد نفي سؤال الاستفادة والاسترشاد وإثبات سؤال التوبيخ والإهانة فلا تناقض. وفي الآية إبطال قول من زعم أنه لا حساب على الأنبياء ولا على الكفار ، وفيها أنه سبحانه عالم بالكليات وبالجزئيات ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السموات ، فالإلهية لا تكمل إلا بذلك. وفيها أنه غير مختص بشيء من الأحياز والجهات وإلا كان غائبا عن غيره. ثم بيّن أن من جملة أحوال يوم القيامة وزن الأعمال فقال : (وَالْوَزْنُ) وهو مبتدأ خبره (يَوْمَئِذٍ) وقوله (الْحَقُ) صفة المبتدأ أي الوزن العدل يوم يسأل الله الأمم ورسلهم. وقيل : لا يجوز الإخبار عن شيء وقد بقيت منه بقية فيجب على هذا أن يكون (الْحَقُ) خبرا و (يَوْمَئِذٍ) ظرفا للوزن ومعنى الحق أنه كائن لا محالة. وفي كيفية الميزان قولان : الأول ما جاء في الخبر «إنه تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة يوزن به أعمال العباد خيرها وشرها». وكيف توزن فيه وجهان : أحدهما أن المؤمن تتصوّر أعماله بصور حسنة وأعمال الكافر بصور قبيحة فتوزن تلك الصور ذكره ابن عباس. وثانيهما أن الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها أعمال العباد. يروى أن رسول الله صلىاللهعليهوآله سئل عما يوزن يوم القيامة فقال : الصحف. وعن عبد الله بن سلام أن ميزان رب العالمين ينصب بين الجن والإنس يستقبل به العرش إحدى كفتي الميزان على الجنة والأخرى على جهنم ولو وضعت السموات والأرض في أحدهما لوسعتهن ، وجبريل آخذ بعموده ناظر إلى لسانه ، وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة الميزان ثم يخرج له قرطاس كالأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلىاللهعليهوآله عبده ورسوله فيوضع في الآخرة فترجح» (١)
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الإيمان باب ١٧. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣٥. أحمد في مسنده (٢ / ٢١٣).