كثيرة العدد تؤم خلاف ما كانت تؤمه الأخرى. وباقي الآية إلى قوله (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) قد مر تفسيره في البقرة ، وكذا بيان المتشابهات فلنذكر النوع الآخر من أحوالهم. قوله تعالى (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) أي عن أهلها وليس المقصود تعرف هذه القصة من قبل اليهود لأنها معلومة للرسول صلىاللهعليهوسلم من قبل الله تعالى ، ولكن المراد تقرير ما كانوا قد أقدموا عليه من الاعتداء والفسق ليعلم أن لهم سابقة في ذلك ، وليس كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم أول مناكيرهم. وقد يقول الإنسان لغيره : هل كان هذا الأمر كذا وكذا ليعرف ذلك الغير أنه محيط بتلك القصة؟ وفيه أنه إذا أعلمهم به من لم يقرأ كتابا ولم يتعلم علما كان ذلك مستفادا من الوحي فيكون معجزا. والأكثرون على أن تلك القرية أيلة ، وقيل مدين ، وقيل طبرية ، والعرب تسمي المدينة قرية. ومعنى (حاضِرَةَ الْبَحْرِ) قريبة من البحر وعلى شاطئه (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم في يوم السبت. ومحل (إِذْ يَعْدُونَ) مجرور بدلا عن القرية بدل الاشتمال أي واسألهم عن وقت عدوانهم. قال في الكشاف : ويجوز أن يكون منصوبا بحاضرة أو بكانت بناء على أن كان الناقصة تعمل في غير الاسم والخبر وفيه نظر إذ لا معنى لكون القرية حاضرة البحر في وقت العدوان لأنها حاضرته في جميع الأحيان وقوله (إِذْ تَأْتِيهِمْ) منصوب بـ (يَعْدُونَ) أو مجرور بدلا بعد بدل. والحيتان جمع الحوت وهو السمكة (شُرَّعاً) ظاهرة على وجه الماء جمع شارع كركع وراكع وكل شيء دان من شيء فهو شارع ، ودار شارعة إذا دنت من الطريق ، ونجوم شوارع إذا دنت من المغيب ، فالحيتان كانت تدنو من القرية بحيث يمكنهم صيدها ، وعن الحسن تشرع على أبوابهم كأنها الكباش البيض. وقال ابن عباس ومجاهد : إن اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله تعالى به وحرم عليهم الصيد فيه ، وباقي القصة مذكور في البقرة ، وفيها دلالة على أن من أطاع الله تعالى خفف عليه أهوال الدنيا والآخرة ، ومن عصاه ابتلاه بأنواع البلاء والمحن. قالت الأشاعرة : لو وجب رعاية الأصلح على الله تعالى لوجب أن لا يكثر الحيتان في ذلك اليوم صونا لهم عن الكفر والمعصية وهذا الاعتراض وارد على خلق إبليس وسائر أسباب الشرور. والنوع الثالث قوله (وَإِذْ قالَتْ) وهو معطوف على (إِذْ يَعْدُونَ) وحكمه حكمه في الإعراب (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) جماعة من صلحاء أهل القرية الذين بالغوا في موعظتهم حتى آيسوا الآخرين كانوا لا يتركون وعظهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) مدمرهم (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) لعلمهم بأن عاقبة المعصية شؤم والمنهمك في الفساد لا يكاد يفلح (قالُوا مَعْذِرَةً) من رفع فبتقدير هذه أو موعظتنا أو قولنا إبداء عذر إلى الله. والمعذرة