وكتب على نفسه (لَيَبْعَثَنَ) ومعناه التسليط كقوله (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) [الإسراء : ٥] واختلف في العائد في (عَلَيْهِمْ) فقيل : يرجع إلى الممسوخين بناء على أن لهم نسلا. وقيل : إلى صلحاء تلك القرية فكأنه مسخ المعتدين وألحق الذل بالبقية. وقال الأكثرون : هم اليهود الذين أدركهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعاهم إلى شريعته فثبتوا على الكفر واستمروا على اليهودية. أما العذاب فقيل : هو أخذ الجزية كانوا يؤدونها إلى المجوس إلى أن بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم فضربها عليهم ، فلا تزال مضروبة عليهم إلى يوم القيامة. وقيل : الاستخفاف والإهانة. وقيل : القتل والقتال كما وقع في زمن بختنصر وغيره. وقيل : الإخراج عن الأوطان كما في يهود خيبر وبني قريظة والنضير. وإذ قد أخبر الله تعالى بلزوم الذل والصغار إياهم ونحن نشاهد أن الأمر كذلك فهو إذا إخبار عن الغيب فيكون معجز. قيل : والخبر المروي في أن أتباع الدجال هم اليهود إن صح فمعناه أنهم كانوا قبل خروجه يهود ، ثم دانوا بآلهيته فذكروا بالاسم الأول ، وإنما تكلف ذلك لأنهم يكونون في وقت اتباع الدجال قاهرين غالبين. النوع الخامس : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) فرقناهم فيها تفريقا شديدا فلا يكاد يوجد بلد إلا وفيه منهم طائفة (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) الذين كانوا في زمن موسى يهدون بالحق أو الذين هم وراء الصين. وعن ابن عباس ومجاهد : الذين أدركوا النبي صلىاللهعليهوآله وآمنوا به. (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه فيجوز أن يكون فيهم بعض الصلاح وإن كان أدون من صلاح الأولين إلا أن قوله بعد ذلك (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يدل على أن المراد بهم الكفرة الفسقة الباقية على ضد الخير والرشاد. ومحل (دُونَ ذلِكَ) رفع على أنه صفة مرفوع محذوف كما قلنا (وَبَلَوْناهُمْ) عاملناهم معاملة المبتلى المختبر (بِالْحَسَناتِ) الخصب والعافية (وَالسَّيِّئاتِ) بالجدب والشدائد (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لأن كلا من الحالتين تدعو إلى الطاعة والإنابة والنعم بالترغيب والنقم بالترهيب (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ظاهره يدل على أن الأوّل ممدوح والثاني مذموم. فالمراد فخلف من بعد أولئك الصلحاء خلف سوء. قال الجوهري الخلف القرن بعد القرن يقال : هؤلاء خلف سوء لناس لاحقين بناس أكثر منهم. قال الأخفش : وقد يحرك ومنهم من يقول خلف سوء من أبيه بالتسكين وخلف صدق من أبيه بالتحريك قال لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
والخلف الرديء من القول يقال : سكت ألفا ونطق خلفا أي سكت عن ألف كلمة ثم تكلم بخطأ (وَرِثُوا الْكِتابَ) أي التوراة بقيت في أيديهم بعد سلفهم يقرؤنها ويقفون على