والأولان علم بالواقع ، والآخران الباقيان علم بالمقدر ومن هذا القبيل. قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) وتقدير الكلام لو حصل فيهم خيرا لأسمعهم الله الحجج والمواعظ فعبر عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده ، وأورد على الآية أنها على صورة قياس شرطي فإذا حذفنا الحد الأوسط بقيت النتيجة : لو علم الله فيهم خيرا لتولوا ولكن كلمة «لو» وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره فيكون التولي منتفيا لأجل انتفاء علم الله الخير فيهم بل لأجل انتفاء الخير فيهم. لكن انتفاء التولي خير من الخيرات فأوّل الكلام يقتضي نفي الخير عنهم وآخره يقتضي. حصول الخير فيهم وهذا تناقض والجواب المنع من أن الحد الأوسط مكرر لأن المراد بالإسماع الأوّل إسماع التفهم وإلزام القبول ، والمراد بالإسماع الثاني صورة الإسماع فحسب ، وأيضا كلمة «لو» في المقدمة الثانية هي التي تجيء للمبالغة بمعنى «أن» كقوله صلىاللهعليهوسلم : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» فإذا لا تعلق لإحدى الجملتين بالأخرى فلا قياس. واستدلت الأشاعرة بالآية على أن صدور الإيمان عن الكافر محال لأن الصادق قد أخبر أنهم على تقدير الإسماع معرضون وخلاف علمه وخبره محال. وقال في الكشاف : لو علم الله فيهم خيرا أي انتفاعا باللطف للطف بهم حتى يسمعوا سماع المصدقين ولو لطف بهم لما نفع فيهم اللطف فلذلك منعهم ألطافه ، أو ولو لطف بهم فصدقوا لارتدوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا وتزييف هذا التفسير سهل. ثم علم المؤمنين أدبا آخر فقال (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) فوحد الضمير كما مر. والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال ، وبالدعوة البعث والتحريض. عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : ما منعك عن إجابتي؟ قال : كنت أصلي. قال : ألم تخبر فيما أوحي إليّ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ قال : لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك ، وقد يتمسك الفقهاء بهذا الخبر على أن ظاهر الأمر للوجوب وإلا فلم يتوجه اللوم. ثم قيل : إن هذا مما اختص به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل : إن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته. ثم الإحياء لا يمكن أن يحمل على نفس الحياة لأن إحياء الحي محال فذكروا فيه وجوها : قال السدي : هو الإسلام والإيمان لأن الإيمان حياة القلب والكفر موته بدليل قوله (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) [الأنعام : ٩٥] أي المؤمن من الكافر. وقال قتادة : يعني القرآن لأن فيه العلم الذي به الحياة الحقيقية. والأكثرون على أنه الجهاد لأن وهن أحد العدوّين سبب حياة الآخر ، ولأن الجهاد سبب حصول الشهادة التي توجب الحياة الدائمة لقوله (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [آل عمران : ١٦٩] ، وقيل : إنه عام في كل حق وصواب فيدخل فيه القرآن