والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة. والمراد لما يحييكم الحياة الطيبة كما قال (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ١٦٩] ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) اختلف الناس فيه بحسب اختلافهم في مسألة الجبر والقدر فنقل الواحدي عن ابن عباس والضحاك : يحول بين الكافر وطاعته ويحول بين المطيع ومعصيته. فالسعيد من أسعده الله والشقي من أضله الله ، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ويخلق فيها القصود والدواعي والعقائد حسبما يريد ، وتقرير ذلك من حيث العقل وجوب انتهاء جميع الأسباب إليه. ثم ختم الآية بقوله (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ليعلم أنهم مع كونهم مجبورين خلقوا مثابين ومعاقبين إما للجنة وإما للنار لا يتركون مهملين معطلين. وقالت المعتزلة : إن من حال الله بينه وبين الإيمان فهو عاجز وأمر العاجز سفه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وإنه تعالى أمر بالاستجابة لله وللرسول فلو لم تكن الإجابة ممكنة فكيف يأمر بها ، ولو كان الأمر بغير المقدور جائزا لكان القرآن حجة للكفار على الرسول لا له عليهم. فإذا لا يمكن حمل الآية على ما قاله أهل الجبر. فتأويلها أن الله يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بسبب الموت يدل عليه قوله (وَأَنَّهُ) أي وأن الشأن أو الله إليه تحشرون والمقصود الحث على الطاعة قبل نزول سلطان الموت ، أو أنه تعالى يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه تسمية للشيء باسم محله فكأنه قيل : بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على طول البقاء فإن الأجل يحول دون الأمل أو المراد سارعوا إلى الطاعة ولا تمتنعوا عنها بسببب ما تجدون في قلوبكم من الضعف والجبن فإن الله مقلب القلوب من حالة العجز والجبن إلى القوة والشجاعة وقد يبدل بالأمن خوفا وبالخوف أمنا ، وبالذكر نسيانا وبالنسيان ذكرا ، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى ، فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا. وقال مجاهد : المراد بالقلب العقل والمعنى بادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون. ولا تأمنوا زوال العقول التي عند ارتفاعها يبطل التكليف فلا يقدر على الكفر والإيمان. وعن الحسن : إن الغرض التنبيه على أنه تعالى مطلع على بواطن العبد وضمائره ، وإن قربه من عبده أشد من قرب قلبه منه كقوله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ثم حذرهم الفتن والاختلاف فقال (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) قيل : هو العذاب. وقيل : افتراق الكلمة. وقيل : إقرار المنكر بين أظهرهم. وقوله (لا تُصِيبَنَ) إما أن يكون جوابا للأمر وجاز دخول النون المؤكدة فيه مع خلوه من الطلب لأن فيه معنى النهي كقولك : انزل عن الدابة لا تطرحك وإن شئت قلت لا تطرحنك. وعلى هذا «من» في (مِنْكُمْ) للتبعيض. وقيل : الجواب محذوف والمعنى إن أصابتكم لا تصيب بعضكم وهم الظالمون حال كونهم (خَاصَّةً)