المصرين الناكثون للعهود وأشار إليهم بقوله (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) و «من» للتبعيض ومفعول (عاهَدْتَ) محذوف أي الذين عاهدتهم وهم بعض أولئك الكفرة يعني الأشراف الذين معهم تليق المعاهدة (ثُمَّ يَنْقُضُونَ) عطف المستقبل على الماضي لفائدة الاستمرار وأن من شأنهم نقض العهد (فِي كُلِّ مَرَّةٍ) من مرات المعاهدة. ومعنى «ثم» تبعيد النقض عن المعاهدة. قال ابن عباس : هم بنو قريظة نقضوا عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأعانوا عليه المشركين بالسلاح يوم بدر وقالوا : قد نسينا وأخطأنا ثم عاهدهم فنكثوا وأعانوا عليه يوم الخندق (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) عاقبة الغدر وما فيه من العار والنار. ثم أمر رسوله بالمخاشنة معهم والغلظة عليهم جزاء على قبح فعلهم وسوء عقيدتهم فقال (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) تصادفنهم وتظفرن بهم في الحرب (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) والتشريد التفريق مع الاضطراب أي ففرق عن محاربتك من وراءهم. وقال عطاء : معناه أكثر فيهم القتل حتى يخافك غيرهم. والضمير في (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) لمن خلفهم لأنه إذا نكل بالناكثين وقتلهم شر قتلة لن يجسر عليه أحد بعدهم اتعاظا بحالهم (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) معاهدين (خِيانَةً) ونكثا بأمارات تلوح لك (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) فاطرح إليهم العهد (عَلى سَواءٍ) على طريق مستو قصد أي أخبرهم أخبارا مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك. وقيل : على استواء في العلم بنقض العهد. وقيل : على استواء في العداوة. قال في الكشاف : الجار والمجرور في موضع الحال كأنه قيل : فانبذ إليهم ثابتا على طريق قصد سوي ، أو حاصلين على استواء في العلم ، أو العداوة على أنها حال من النابذ والمنبوذ إليهم معا. قلت : ويحتمل أن يكون حالا من المنبوذ أي حال كون المنبوذ وهو العهد واقعا على طريق واضح فيكون كناية عن تحقير شأن العهد إذ ذاك ، أو عن انكشاف حاله في النبذ. قال أهل العلم : إن آثار نقض العهد إذا ظهرت فإما أن تظهر ظهورا محتملا أو ظهورا مقطوعا به. فإن كان الأول وجب الإعلام به كما هو مذكور في الآية. وذلك أن قريظة عاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله صلىاللهعليهوآله خوف الغدر منهم به وبأصحابه فههنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم على سواء ويؤذنهم بالحرب ، أما إذا ظهر نقض العهد ظهورا قطعيا فلا حاجة إلى نبذ العهد إليهم كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأهل مكة لما نقضوا العهد. ثم بيّن حال من فاته في يوم بدر ولم يتمكن من التشفي منه والانتقام كيلا يبقى حسرة في قلبه فقد كان فيهم من بلغ في أذيته مبلغا عظيما فقال (وَلا يَحْسَبَنَ) من قرأ بتاء الخطاب فمفعوله