الأول (الَّذِينَ كَفَرُوا) وثانيه (سَبَقُوا) أي فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) كل من المكسورة والمفتوحة تعليل له إلا أن المكسورة على طريقة الاستئناف كأن سائلا سأل ما لهم لا يحسبون سابقين؟ فأجيب بما أجيب. والمفتوحة تعليل صريح والجار محذوف أي لأنهم يعجزون الله من الانتقام منهم ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم. أو عجزت فلانا وعجزته جعلته أو وجدته عاجزا. والمراد لا تحسبنهم أنهم لما تخلصوا من الأسر والقتل يوم بدر فقد تخلصوا من العقاب عاجلا أم آجلا. ومن قرأ بالياء التحتانية تذكر فيه وجوها منها «أن» فاعله (الَّذِينَ كَفَرُوا) ومفعولاه (سَبَقُوا) على أن الأصل أن سبقوا فحذفت «أن» كقوله (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) ويؤيده قراءة ابن مسعود أنهم سبقوا. ومنها أن الفعل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة وسبقوا في موضع الحال. ومنها أن المفعول الأول محذوف للعلم به والتقدير لا يحسبنهم أو لا يحسبن أنفسهم الذين كفروا وسبقوا. ومنها أن فاعله محذوف أي لا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا. ثم إنه لما أنفق لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم في قصة بدر أن قصدوا الكفار بلا آلة وعدة ، أمرهم الله أن لا يعودوا لمثله ويتأهبوا لقتال الأعداء فقال (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) عن عكرمة : هي الحصون. وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية على المنبر ثم قال : إلا إن القوة الرمي قالها ثلاثا ومات عقبة عن سبعين قوسا في سبيل الله والأصح أنها عامة في كل ما يتقوى به في الحرب من آلة وعدّة. وقوله صلىاللهعليهوسلم : «القوة الرمي» (١) كقوله : «الحج عرفة» (٢) وفيه تنبيه على أن المذكور جزء شريف في جملة المقصود (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) هو اسم للخيل التي تربط في سبيل الله الخمس فما فوقها. ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصال وفصيل ، والظاهر أنه بمعنى المرابطة. ويجوز أن يكون قوله (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) تخصيصا للخيل من بين ما يتقوّى به كقوله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) فلا ريب أن ربط الخيل من أقوى آلات الجهاد. روي عن ابن سيرين أنه سئل عمن أوصى بثلث ماله في الحصون فقال : يشتري به الخيل فتربط في سبيل الله ويغزي عليها. فقيل له : إنما أوصى في الحصون. فقال : ألم تسمع قول الشاعر :
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الإمارة حديث ١٦٧. أبو داود في كتاب الجهاد باب ٢٣. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٨ باب ٥. ابن ماجه في كتاب الجهاد باب ١٩. الدارمي في كتاب الجهاد باب ١٤. أحمد في مسنده (٤ / ١٥٧).
(٢) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة البقرة باب ٢٢. أبو داود في كتاب المناسك باب ٦٨. ابن ماجة في كتاب المناسك باب ٥٧. الدارمي في كتاب المناسك باب ٥٤.