عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم. ثم ختم الآية بقوله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلين ولا يجعل الوفي كالغادر ، ومن جملة الغادرين بنو بكر عدوا على خزاعة عيبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وظاهرتهم قريش بالسلاح حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنشد :
لا هم إني ناشد محمدا |
|
حلف أبينا وأبيك الأتلدا |
إن قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ذمامك المؤكدا |
هم بيتونا بالحطيم هجدا |
|
وقتلونا ركعا وسجدا |
فقال صلىاللهعليهوسلم : لا نصرت إن لم أنصركم ومعنى ناشد محمدا أذكر له الحلف والعهد لأنه كان بين أبيه عبد المطلب وبين خزاعة حلف قديم. والأتلد الأقدم.
ثم بين حكم انقضاء أجل الناكثين فقال (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أي التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا. وانسلاخ الشهر تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضي كانسلاخ الجلد عما يحويه ، شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه فكلاهما ظرف (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) يعني الناقضين (حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من حل أو حرم وفي أي وقت كان. (وَخُذُوهُمْ) وأسروهم والأخيذ الأسير (وَاحْصُرُوهُمْ) امنعوهم من التصرف في البلاد وقيدوهم. وقال ابن عباس : حصرهم أن يحال بينهم وبين المسجد الحرام. (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) أي في كل ممر ومجاز ترقبوهم هناك. وانتصابه على الظرف كما مر في قوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) إن حصلوا على شروطها (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) المراد من التخلية الكف عنهم وإطلاقهم من الأسر والحصر عن البيت الحرام ، أو عن التصرف في مهماتهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم ما سلف لهم من الكفر والغدر. قال الشافعي : إنه تعالى أباح دماء الكفار بجميع الطرق والأحوال ثم حرمها عند التوبة عن الكفر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فما لم يوجد أحد هذه الأمور لم يوجد هذا المجموع ، فوجب أن تبقى إباحة الدم على الأصل. فتارك الصلاة يقتل ، ولعل أبا بكر استدل بمثل ذلك على جواز قتال مانعي الزكاة. وحمل أكثر الأئمة الإقامة والإيتاء هاهنا على اعتقاد وجوبهما والإقرار بذلك وإن كان له وجه عدول عن الظاهر. وعن الحسن أن أسيرا نادى بحيث يسمع النبي صلىاللهعليهوسلم أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد ثلاثا. فقال صلىاللهعليهوسلم : «عرف الحق لأهله فأرسلوه». قال بعض العلماء : ذكر التوبة هاهنا عبارة عن تطهير القوة النظرية عن الجهل ، وذكر الصلاة والزكاة عبارة عن تطهير القوة العملية عما لا ينبغي ، ولا