ثلاثة أوجه : الأول (كَيْفَ) وقدم للاستفهام ، الثاني (لِلْمُشْرِكِينَ) وعند على هذين ظرف للعهد أو ليكون أو للجار أو هو وصف للعهد. الثالث الخبر (عِنْدَ اللهِ) و (لِلْمُشْرِكِينَ) تبيين أو متعلق بـ (يَكُونُ) و (كَيْفَ) حال من العهد يعني محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم يضمرون الغدر في كل عهد ، فلا تطعموا في الوفاء منهم ولا تتوانوا في قتلهم. ثم استثنى منهم المعاهدين عند المسجد الحرام الذين لم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة ثم بيّن حكمهم فقال (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) في «ما» وجهان : أحدهما أن تكون زمانية وهي المصدرية على التحقيق أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم. الثاني شرطية أي إن استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على مثله. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) فيه إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين.
ثم كرر الاستبعاد فقال (كَيْفَ) وحذف الفعل لكونه معلوما أي كيف يكون لهم عهد (وَ) حالهم أنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أي يغلبوكم ، ويظفروا بكم وذلك أن الغلبة من الكمال عند الشخص وكل من تصور في نفسه كمالا فإنه يريد أن يظهر ذلك لغيره فأطلق الظهور على الغلبة لكونه من لوازمها (لا يَرْقُبُوا) لا يراعوا (فِيكُمْ) ولا ينتظروا بكم (إِلًّا وَلا ذِمَّةً) قال في الصحاح : الأل العهد والقرابة. ووجه ذلك في الكشاف بأن اشتقاقه من الأل هو الجؤار والأنين لأنهم إذا تحالفوا رفعوا به أصواتهم ، وسميت به القرابة لأنها تعقد بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق. وفي الصحاح أيضا أن الأل بالكسر من أسماء الله عزوجل. وفي الكشاف أنه قرىء «إيلا» بمعناه. وقيل : جبرئيل وجبرئلّ من ذلك. وقيل : منه اشتق الأل بمعنى القرابة كما اشتقت الرحم من الرحمن. قال الزجاج : الأل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدّة من ذلك الألة الحربة ، وأذن مؤللة محدّدة. ومعنى العهد والقرابة غير خارج من ذلك ، والذمة العهد وجمعها ذمم وذمام وهو كل أمر لزمك وكان بحيث لو ضيعته لزمك مذمة. وقال أبو عبيدة : الذمة ما يتذمم منه أي ما يجتنب فيه الذم. قال في الكشاف (يُرْضُونَكُمْ) كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل. ثم قال سبحانه (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) عن ابن عباس : لا يبعد أن يكون بعض هؤلاء الكفار قد أسلم وتاب فلهذا لم يحكم بالفسق على الكل. والظاهر أنه أراد أن أكثرهم فساق في دينهم لا يتحرزون عن الكذب ونقض العهد الذي هو مذموم في جميع الأديان والنحل (اشْتَرَوْا) استبدلوا (بِآياتِ اللهِ) بالقرآن أو بالإسلام (ثَمَناً قَلِيلاً) هو اتباع الأهواء (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) فصرفوا عنه غيرهم وعدلوا هم