أنفسهم. قال مجاهد : أراد الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم. وقيل : يبعد أن يراد طائفة من اليهود الذين أعانوا المشركين على نقض العهود ، فإن هذا اللفظ من القرآن كالأمر المختص باليهود ولأنه وصفهم بقوله (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ولو أراد المشركين كان تكرارا (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) المتجاوزون حدود الله في دينه وما يوجبه العهد والعقد. ثم قال (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) فإن كان هذا في اليهود وما ذكره قبل في الكفار فلا تكرار ، وإن كان كلاهما في الكفار فجزاء الأول تخلية سبيلهم وجزاء الثاني قوله (فَإِخْوانُكُمْ) أي فهم إخوانكم (فِي الدِّينِ) فلم يكن من التكرار في شيء. قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة : (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) نبينها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لأنهم هم المنتفعون بالبيان. وهذه جملة معترضة تفيد الحث على التأمل في أحكام المشركين وعلى المحافظة على مواردها (وَإِنْ نَكَثُوا) يعني هؤلاء التائبين (أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) أي من بعد إسلامهم حتى يكونوا مرتدين ، أو المراد نكث المشركين عهودهم ومواثيقهم. والنكث نقض طاقات الخيط من بعد برامه. (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) ثلبوه وعابوه (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) هي جمع إمام وأصلها «أأممة» كمثال وأمثلة نقلت حركة الميم إلى الهمزة وأدغمت الميم في الميم ، وهو من وضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أن من كان بهذه المثابة من الغدر وقلة الوفاء وعدم الحياء فهو عريق في الكفر متقدم فيه لا يشق كافر غباره. وقيل : خص سادتهم بالذكر لأن من سواهم يتبعهم لا محالة. ثم أبدى غرض القتال بقوله (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) ليعلم أن الباعث على قتالهم هو ردهم إلى طاعة معبودهم رحمة عليهم لا أمر نفساني وداع شهواني ووسط بين الأمر بالقتال وبين الحامل عليه قوله (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) تنبيها على العلة الفاعلية للقتال ، أثبت لهم الأيمان أوّلا في الظاهر حيث قال (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) ثم نفاها عنهم في الحقيقة لأن إيمانهم ليست مما يعد أيمانا إذ لم يوفوا بها. وبهذا تمسك أبو حنيفة في أن يمين الكافر لا تكون يمينا ، وعند الشافعي يمينهم يمين لأنه تعالى وصفها بالنكث ولو لم تكن منعقدة لم يتصور نكثها. ومن قرأ (لا أَيْمانَ) لهم بالكسر أي لا إسلام لهم أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث فظاهر. قال العلماء : إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة.
ثم شرع في ذكر سائر الأسباب المحرّضة على القتال فقال (أَلا تُقاتِلُونَ) قال أهل المعاني : إذا قلت : ألا تفعل كذا. فإنما يستعمل ذلك في فعل مقدر وجوده. وإذا قلت : ألست تفعل فإنما تقول فى ذلك في فعل تحقيق وجوده. والفرق أن «لا» ينفي بها