ولما حكم في الآية المتقدمة أن أهل الكتاب لا يؤمنون بالله شرع في إثبات تلك الدعوى فقال (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) الآية. العلم مبتدأ والابن خبره ومن أسقط التنوين من عزير فلأنه اسم أعجمي زائد على ثلاثة أحرف فيمتنع من الصرف كعازر. وقيل : منصرف لكونه عربيا وكان الوجه كسر التنوين كقراءة عاصم ولكنه أسقط التنوين للساكنين على مذهب بعضهم. أو لأن الابن وقع وصفا والخبر محذوف وهو معبودنا. وطعن في هذا الوجه عبد القاهر باستلزامه احتمال توجه الذم إلى الخبر دون الوصف ، وحينئذ يحصل تسليم كونه ابنا لله ومعلوم أن ذلك كفر. وهذا قول ناس من اليهود بالمدينة وما هو بقول كلهم إلا أنه جاء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على الواحد. يقال : فلان يركب الخيول أو يجالس الملوك. ولعله لم يركب أو لم يجالس إلا واحدا. عن ابن عباس : جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا ذلك. وعنه أيضا أن اليهود أضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فأنساهم الله التوراة ونسخها من صدورهم ، فتضرع عزير إلى الله تعالى وابتهل إليه فعاد حفظ التوراة إلى قلبه فأنذر قومه ، فلما جربوه وجدوه صادقا فيه فقالوا : هذا ابن الله. وقال عبيد بن عمير : إنما قال هذا القول رجل من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء. وقيل : لعل هذا المذهب كان فاشيا فيهم ثم انقطع ، ولا عبرة بإنكار اليهود قول الله أصدق. وقال في الكشاف : الدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على التكذيب. وأما النصارى فلا شك أنهم يقولون ذلك وقد حكى الواحدي في سبب ذلك أن أتباع عيسى كانوا على الحق بعد رفع عيسى إلى السماء حتى وقع حرب بينهم وبين اليهود وكان في اليهود رجل شجاع ، يقال له بولس. قتل جمعا من أصحاب عيسى ثم قال لليهود : إن كان الحق مع عيسى فقد كفرنا والنار مصيرنا ونحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار وإني أحتال فأضلهم ، فعرقب فرسه وأظهر الندامة بما كان يصنع ووضع على رأسه التراب وقال : نوديت من السماء ليس لك توبة إلا أن تنتصر وقد تبت فأدخله النصارى الكنيسة. ومكث سنة لا يخرج وتعلم الإنجيل فصدقوه وأحبوه ثم مضى إلى بيت المقدس واستخلف عليهم رجلا اسمه نسطور وعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة ، وتوجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت وقال : ما كان عيسى إنسانا ولا جسما ولكنه الله. وعلم رجلا آخر ـ يقال له يعقوب ـ ذلك ثم دعا رجلا ـ يقال له ملكا ـ فقال له : إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى. ثم دعا هؤلاء الثلاثة وقال لكل واحد منهم : أنت خليفتي فادع الناس إلى نحلتك ، ولقد رأيت عيسى في المنام ورضي عني وإني غدا أذبح نفسي لمرضاة عيسى ، ثم دخل المذبح فذبح نفسه. هذا هو