مسلم أنهم أظهروا هذا الحذر على سبيل الاستهزاء ولهذا أجابهم الله بقوله (اسْتَهْزِؤُا) وهو أمر تهديد (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) مظهر ما تحذرونه من نفاقكم أو محصل إنزال السورة لأن الشيء إذا حصل بعد عدم فكأن فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود. قوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) الآية. عن ابن عمر أن رجلا من المنافقين قال في غزوة تبوك. ما رأيت مثل هؤلاء الفراء أرغب بطونا أي أوسع ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله وأصحابه. فقال واحد من المؤمنين : كذبت وأنت منافق. ثم ذهب ليخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنا كنا نلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به عنا الطريق قال ابن عمر : رأيت عبد الله بن أبيّ يشتد قدام رسول الله صلىاللهعليهوسلم والحجارة تنكبه وهو يقول : إنما كنا نخوض ونلعب. والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن؟ ما يلتفت إليه ولا يزيد عليه. وقال الحسن وقتادة : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات. فأطلع الله عزوجل نبيه على ذلك فقال : احبسوا عليّ الركب فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا فقالوا : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. قال الواحدي : أصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ثم كثر حتى أطلق على كل دخول فيه تلويث وأذى أي كنا نخوض في الباطل كما يخوض الركب لقطع الطريق. ثم أمر نبيه بأن يقول في جوابهم (أَبِاللهِ) أي بتكاليفه أو بأسمائه أو بقدرته حيث استبعدتم إعانته النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه على فتح قصور الشام (وَآياتِهِ) يعني القرآن (وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) لم يعبأ باعتذارهم فجعلوا كأنهم معترفون بوقوع الاستهزاء منهم فأوقع الإنكار على الاستهزاء بالله بأن أولى الاستفهام الذي يفيد التقرير المستهزأ به ولم يقل «أتستهزؤن بالله». ثم قال : (لا تَعْتَذِرُوا) نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب أو قطعه من قولهم : اعتذر المنزل إذا درس. واعتذرت المياه إذا انقطعت ، ومنه عذرة الجارية لأنها تعذر أي تقطع. والعذر سبب لقطع اللوم ، نهاهم الله عن الاعتذار بالخوض واللعب لأن الشيء الذي يوجب الكفر لا يصلح للعذر. ثم بين ذلك بقوله (قَدْ كَفَرْتُمْ) أي صريحا (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي بعد الإيمان الذي أظهرتموه. وفيه أن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله صريح لأن العمدة الكبرى في الإيمان هو التعظيم لأمر الله ولشرائعه. (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) ذكر المفسرون أنهم كانوا ثلاثة ، استهزأ اثنان وضحك الثالث ، ولما كان ذنب الضاحك أخف لأنه لم يوافق