القوم في الكفر فلا جرم عفا الله عنه. وفيه إشارة إلى أنه من خاض في عمل باطل فعليه أن يجتهد في التقليل ويحذر من الانهماك فإنه يرجى له ببركة ذلك القليل أن يعفو الله عنه الكل. قال الزجاج : الطائفة في اللغة الجماعة لأنها المقدار الذي يمكنه أن يطيف بالشيء ، ثم يجوز أن يسمى الواحد بالطائفة قال تعالى (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور : ٢] وأقله الواحد. وروى الفراء بإسناده عن ابن عباس أنه قال : الطائفة الواحد فما فوقه. ووجه بأن من اختار مذهبا فإنه ينصره ويذب عنه من كل الجوانب فلا يبعد أن يسمى طائفة بهذا السبب والتاء للمبالغة. وقال ابن الأنباري : العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد وقال تعالى (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] يعني نعيم بن مسعود. ثم علل كونه معذبا للطائفة الثانية (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي مصرين مستمرّين على الجرم ، ويجوز أن يكون سبب العفو عن الطائفة الأولى إحداثهم التوبة وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق ، ويجوز أن يراد بالعذاب العذاب العاجل. ومن قرأ أن يعف على البناء للمفعول والتذكير فلأنه مستند إلى الظرف كما تقول : سير بالدابة دون سيرت. وقرىء بالتأنيث ذهابا إلى المعنى كأنه قيل : إن ترحم طائفة.
ثم ذكر جملة أحوال المنافقين وأن إناثهم في ذلك كذكورهم فقال (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي في صفة النفاق وأريد به نفي أن يكونوا من المؤمنين وتكذيبهم في قولهم (إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) وتقرير قوله (وَما هُمْ مِنْكُمْ) ثم فصل ذلك المجمل ببيان مضادة حالهم الحال المؤمنين فقال (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) وهو كل قبيح عقلا أو شرعا وأعظم ذلك تكذيب الله ورسوله. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) وهو كل حسن عقلا أو شرعا وأعظم ذلك الإخلاص في الإيمان (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن كل خير أو عن كل واجب كصدقة أو زكاة أو اتفاق في سبيل الله ، وهذا أولى ليتوجه الذم بتركه. وقبض الأيدي كناية عن الشح والبخل كبسطها في الكرم والسخاء (نَسُوا اللهَ) أغفلوا أمره وتركوا ذكره وذلك أن النسيان الحقيقي لا يتوجه عليه الذم (فَنَسِيَهُمْ) جازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه ورحمته وهذا على سبيل المزاوجة والطباق. وإنما جعل النسيان عبارة عن ترك الذكر لأن من نسي شيئا لم يذكره فدل بذكر الملزوم على اللازم. ثم قال (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) وفيه دليل على أنهم هم الكاملون في الفسق وأن على المسلم أن يحترز عما يكسبه هذا الاسم. ثم بين مآل حال أهل النفاق والكفر فقال (وَعَدَ اللهُ) الآية ومعنى (خالِدِينَ فِيها) مقدرين الخلود فيها قاله في الكشاف ويحتمل أن يراد مستأهلين للخلود (هِيَ حَسْبُهُمْ) كافيهم في الجزاء والإيلام ومع ذلك فقد لعنهم الله ليكون العذب مقرونا