(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) متعلقا بـ (يَتَعارَفُونَ) والمراد باللبث. قيل : لبثهم في الدنيا وقيل في القبور استقلوا المدد الطوال إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم واستقصروها للدهش والحيرة ، أو لطول وقوفهم في الحشر ، أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا واستحقروها. وأما التعارف فقد قيل : يعرّف بعضهم بعضا ما كانوا عليه من الخطإ والكفر وقيل : يعرف كل واحد أهل معرفته. والجمع بين ذلك وبين قوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) [المعارج : ١٠] أن هذا تعارف توبيخ وتضليل يقول كل فريق لصاحبه أنت اضللتني يوم كذا ، أو أنهم يتعارفون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة. وإنما حذف «جميعا» في هذه الآية اكتفاء بما في الآية السابقة (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الأنعام : ١٢٢] ولأن الآية سيقت هناك لبيان حشر العابدين والمعبودين فأكد بقوله : (جَمِيعاً) ليشمل الفريقين صريحا والله أعلم. قوله : (قَدْ خَسِرَ) استئناف فيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أخسرهم! وفيه شهادة من الله على خسرانهم. وجوز في الكشاف أن يكون على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك. ثم أكد خسرانهم بقوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أي في رعاية مصالح هذه التجارة لأنهم أعطوا الكثير الشريف الباقي وقنعوا بالقليل الخسيس الفاني كمن رأى زجاجة خسيسة فظنها جوهرة نفيسة فاشتراها بكل ماله ، فإذا عرضها على الناقدين خاب سعيه وفات أمله.
ثم سلى رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) وجوابه محذوف. وقوله : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) جواب (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) والمعنى وإما نرينك في أعدائك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك ، أو نتوفينك قبل أن تدركه فنحن نريكهم في الآخرة لأن مرجع الكل إلينا. ولقد صدق الله وعده فقد أراه في هذه الدار خزيهم وقهرهم بالقتل والأسر والاستعلاء عليهم والاستيلاء على ديارهم وأموالهم ، والذي سيريه في الآخرة أكثر وأدوم يدل عليه لفظ «ثم» لتبعيد الرتبة في قوله : (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) ولا يخفى نتيجة هذه الشهادة من السخط والعقاب ، ويحتمل أن يراد إنطاق جوارحهم يوم القيامة جعل ذلك بمنزلة شهادة الله. ثم بيّن أنه ما أهمل أمة من الأمم من رسول في وقت من الأوقات فقال : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) وزمان الفترة محمول على ضعف دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم المتقدم ووقوع موجبات التخليط في شرعه. (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) فبلغ فكذبه قوم وصدقه آخرون (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي حكم وفصل بالعدل فأنجى الرسول والمصدقون وعذب المكذبون فهذه الآية نظيرة قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ويحتمل أن يقال : المراد ولكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول ينسبون إليه ويدعون به فكأنه تعالى يقول : أنا شهيد على