لكنه ما حصل إيمان أهل الأرض بالكلية فدل هذا على أنه تعالى ما أراد إيمان الكل. وأول المعتزلة المشيئة بمشيئة الإلجاء والقسر. وأجيب بأن الكلام في الإيمان الذي كان يطلبه النبي منهم وهو الإيمان المنوط به التكليف لا الإيمان القسري الذي لا ينتفع به المكلف ، فلو حمل الإيمان المذكور في الآية وكذا المشيئة على إيمان الإلجاء ومشيئة القسر لم ينتظم الكلام. ثم ذكر أن القدرة القاهرة والمشيئة النافذة ليست إلا للحق سبحانه وتعالى فقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) فأولى الاسم حرف الاستفهام للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه ، وإنما الكلام في المكره من هو وما هو إلا الله وحده. فحمل المعتزلة هذا الإكراه على الإلجاء ومعناه أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان. وحمل الأشاعرة الإكراه على خلق الإيمان ومعناه أنه قادر على خلق الإيمان والكفر فيهم لا أنت بدليل قوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) أي الكفر والفسق (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) وفسر المعتزلة الإذن بمنح الألطاف والرجس بالخذلان ، لأن الرجس هو العذاب والخذلان سببه ، وخصصوا النفس بالنفس المعلوم إيمانها والذين لا يعقلون يعني المصرين على الكفر. واستدلت الأشاعرة بقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ) على أنه لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع لأن الإذن عبارة عن الإطلاق في الفعل ورفع الحجر. وإذا كان أصل الشرع ـ وهو الإيمان بإذن الله ـ فما ترتب عليه أولى. أجابت المعتزلة بأن المراد بالإذن التوفيق والتسهيل والألطاف. ولما بين أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله تعالى أمر بالنظر والاستدلال بالدلائل السماوية والأرضية حتى لا يتوهم أن الحق هو الجبر المحض فقال : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي شيء فيهما من الآيات والعبر. ثم ذكر أن التفكر والتدبر في هذه الدلائل لا ينفع في حق من حكم الله عليه في الأزل بالشقاء فقال : (وَما تُغْنِي) يحتمل أن تكون «ما» نافية أي لا تفيد هذه (الْآياتُ وَالنُّذُرُ) وهي جمع نذير صفة أو مصدر في حق المحكوم عليهم بعدم الإيمان. وأن تكون استفهامية للإنكار بمعنى أي شيء يغني عنهم؟ ثم قال : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) والمراد أن الأنبياء المتقدمين كانوا يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب أو بوقائع الله فيهم وهم يكذبونهم ويسخرون منهم ، وكذلك كان يفعل الكفار المعاصرون للرسول صلىاللهعليهوسلم فقال سبحانه (قُلْ فَانْتَظِرُوا) وفيه تهديد ووعيد بأنه سينزل بهؤلاء مثل ما أنزل بأولئك من الإهلاك بعد إنجاء الرسول وأتباعه كما حكى تلك الأحوال الماضية بقوله : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا) الآية. قالت المعتزلة : (حَقًّا عَلَيْنا) المراد به الوجوب والاستحقاق إذ لا يحسن تعذيب الرسول والمؤمنين. وقالت الأشاعرة : إنه حق بحسب الوعد والحكم فإن