قال المحققون : الإرادة اهتياج يحصل في القلب يسلب القرار من العبد حتى يصل إلى الله. فصاحب الإرادة لا يهدأ ليلا ولا نهارا ، ولا يجد من دون الوصول إلى الله سبحانه سكونا ولا قرارا (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يعني الذي لنا معك في الحساب من المواصلة والتوحيد في الخلوة فإنهم ليسوا في شيء من ذلك ليكون عليك ثقلا (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي الذي لنا معهم في الحساب من التفرد للوصول والوصال ليس لك إلى ذلك حاجة ليثقل عليهم (فَتَطْرُدَهُمْ) فتكسر قلوبهم بالطرد (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) بوضع الكسر مقام الجبر فإنك بعثت لجبر قلوبهم لا لكسر قلوبهم كقوله (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر : ٨٨] (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ليشكر الفاضل وليصبر المفضول فيستويان في الفضل فلهذا قيل : لسليمان ولأيوب كليهما : نعم العبد. مع قدرة سليمان على أسباب الطاعة وعجز أيوب عنها. ومن فتنة الفاضل في المفضول رؤية فضله على المفضول أو تحقيره ، ومنع حقه عنه في فضله ، ومن فتنة المفضول في الفاضل حسده على فضله وسخطه عليه في منع حقه من فضله عنه ، فإن المعطي والمانع هو الله. ومنها أن لا يرى الفاضل مستحقا للفضل ليقولوا (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إنه سبحانه من كمال فضله على الفقراء حملهم محمل الأكابر والملوك في الدنيا فقال لنبيه صلىاللهعليهوسلم : كن مبتدئا بالسلام عليهم وفي الآخرة فألهم الملائكة أن يسلموا عليهم في الجنة (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) [الزمر : ٧٣] بل سلم بذاته عليهم (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨] وكل ذلك نتيجة سلامتهم من ظلمة الخلقة بإصابة رشاش النور في الأزل فلهذا قال (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي الرحمة الخاصة كما خص الخضر في قوله (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) [الكهف : ٦٥] والرحمة العامة كما في الحديث الرباني للجنة «إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي» (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) أي من المؤمنين (سُوءاً بِجَهالَةٍ) أي بجهالة الجهولية التي جبل الإنسان عليها لا بجهالة الضلالة التي هي نتيجة إخطاء النور فإن هذه لا توبة لها (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) أي رجع إلى الله بقدم السير من بعد إفساد الاستعداد الفطري وأصلح الاستعداد بالأعمال الصالحة لقبول الفيض. (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ) في الأزل بإصابة النور المرشش. (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من عبادة الهوى (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) يعني أمر القتال والخصومات ولاسترحت من أذيتكم لأن الشيء إنما ينفعل عن ضده لا عن شبيهه (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) يعني العلوم العقلية التي هي سبب فتح باب صور عالم الشهادة كالنقاش ينشيء الصور في ذهنه ثم يصوّرها في الخارج. وإنما وحد الغيب وجمع المفاتح لأن عالم الغيب عالم التكوين وهو واحد في جميع الأشياء وفي الملكوت كثرة يعلم التكوين (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ) وهو عالم الشهادة (وَالْبَحْرِ) وهو عالم