انقضت عرى الدين ، وخبت مصابيح الناموس ، فأفلت نجومه ، فلا يلبث ذلك العبد الصالح إلا أمما حتى يعود الدين به كما بدأ ، ويقر الله عز وجل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه ، وينشر منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب.
قال حارثة : كل ما قد أنشدتما حق ، لا وحشة مع الحق ، ولا أنس في غيره ، فمه؟
قال السيد : فإن من الحق أن لا حظ في هذه الأكرومة للأبتر.
قال حارثة : إنه لكذلك ، أليس بمحمد؟!
قال السيد : إنك ما عملت إلا لدا ، ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا في ما تجسسنا من خبره أن ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا ـ يعني هلكا ـ وغودر محمد كقرن الأعضب موف على ضريحه ، فلو كان له بقية لكان لك بذلك مقالا إذا ولت أنباؤه الذي يذكر.
قال حارثة : العبر ـ لعمرو الله ـ كثيرة والاعتبار بها قليل ، والدليل موف على سنن السبيل إن لم يعش عنه ناظر ، وكما أن أبصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها ؛ فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ، الا ومن كان كذلك فلستماه ـ وأشار إلى السيد والعاقب ـ.
إنكما ـ ويمين الله ـ لمحجوجين بما آتاكما الله عز وجل من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة ، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة في الناس ، فقد جعل الله عز وجل من آتاه سلطانا ملوكا على الناس وأربابا ، وجعلكما حكما وقواما على ملوك ملتنا وذادة لهم ، يفزعون إليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم ، وتأمرانهم فيأتمرون لكما وحق لكل