نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شفيعاً
__________________
حتّى أتى مكّة وصحب الحسين (عليه السّلام). روى الضحّاك بن قيس المشرقي ، قال : وكان برير قد بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظنّ أنّ المحاماة تدفع عن الحسين (عليه السّلام) ، فإن لم يجد بداً فهو في حلّ. قال أبو مخنف : أمر الحسين (عليه السّلام) في اليوم التاسع من المحرّم بفسطاط فضرب ، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ، وعبد الرحمن بن عبد ربّه ، وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما ، فازدحما أيّهما يطلي على إثر الحسين (عليه السّلام) ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ، فوالله ما هذه بساعة باطل. فقال برير : والله ، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكنّي والله لمستبشر بما نحن لاقون ؛ والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن مالوا بها الساعة. وروى بعض المؤرّخين أنّه لمّا بلغ من الحسين (عليه السّلام) العطش ما شاء الله أن يبلغ ، استأذن برير الحسين (عليه السّلام) في أن يكلّم القوم ، فأذن له ، فوقف قريباً منهم ونادى : يا معشر الناس ، إنّ الله بعث بالحق محمداً بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، أفجزاء محمد هذا؟! فقالوا : يا برير ، أكثرت الكلام فاكفف ، فوالله ليعطش الحسين كما عطش مَنْ كان قبله. فقال الحسين (عليه السّلام) : «اكفف يا برير». قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة ، فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك؟ قال : صنع الله لي والله خيراً ، وصنع بك شراً. فقال : قد كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً. أتذكر وأنا أُماشيك في سكة بني دودان وأنت تقول : إنّ عثمان كان كذا ، وإنّ معاوية ضال مضل ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟ قال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي. فقال يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين. قال برير : فهل لك أن اُباهلك ، ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ اخرج لأبارزك؟ قال : فخرجا ، فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً ، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر وبلغت إلى الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه حتّى أخرجه ، وهو يقول :
أنا بريرٌ وأبي خضيرُ |
|
وكـلُّ خيرٍ فلهُ بريرُ |
ثمّ حمل على أهل الكوفة وقاتل ، فبرز إليه رضي بن منقذ العبدي وكعب بن جابر بن عمرو الأزدي فقتلاه ، ولمّا رجع كعب إلى الكوفة قالت له اُخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القرّاء؟! لقد أتيت عظيماً من الأمر. والله لا اُكلّمك من رأسي كلمة أبداً. وله في ذلك شعر يذكر.