رأيت النخل. وفي رواية : رأيت السواد ، أي نخلة الكوفة (١). فقال له جماعة من أصحابه : والله ، إنّ في هذا المكان ما رأينا نخلة قطّ! فقال الحسين (عليه السّلام) : «فما ترونه؟». قالوا : نراه والله آذان الخيل. قال (عليه السّلام) : «وأنا أرى ذلك». ثمّ قال : «ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله خلف ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟». فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ يسير إليه متياسراً حتّى وصل إليه.
فمالَ بالركبِ إلى ذي حُسمِ |
|
وجاءهُ الحرُّ فكان الملتقى |
(حُسَم) : بالضم ثم الفتح ، مثل جرذ وصرد ، كأنّه معدول من حاسم ، وهو المانع ، اسم موضع. ويروى بضمتين ، هضبة منيعة. وقيل : جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به. وفيه للنابغة أبيات ، وقد ذكرها أيضاً يحيى المعروف بالمهلهل (٢) بشعره :
أليلتنا بذي حُسمٍ أنيري |
|
إذا أنت انقضيت فلا تحوري (٣) |
فإن يكُ بالذنائب طال ليلي |
|
فقد أبكي من الليل القصيرِ (٤) |
قلت : يروى أنه لمّا بانت للحسين (عليه السّلام) طلايع الخيل مال بأصحابه إلى ذي حسم. قال الراوي : فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل (٥)
__________________
(١) كان قد كثر النخل آنذاك في طفّ العراق بسبب العيون التي فيه.
ذكر البلاذري قال : حدّثني الأثرم ، عن عبيدة ، عن عمرو بن العلاء قال : لمّا رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر قالوا : ما رأينا سواداً أكثر. والسواد : الشخص ؛ فلذلك سمّي السواد سواداً.
(٢) وقيل : المهلهل هو كليب ، واسمه عدي بن ربيعة ، وإنّما قيل له : المهلهل لأنّه أوّل مَنْ هلهل الشعر ، أي أرقّه. ولمّا قُتل أخوه كليب شمّر المهلهل فترك النساء والغزل ، وحرّم القمار والشراب ، واستعدّ لحرب بكر آخذاً بثأر أخي كليب ، فدارت من ذلك حروب طاحنة ووقائع عديدة.
(٣) تحوري : أي ترجعي.
(٤) انظر النويري ـ نهاية الأرب ـ ج ١٥ ص ٤٠١.
(٥) يُقال : أقبلت هاديات الخيل ، وهو أديها ، أي مقدماتها. مفردها الهادية.