والفتح ما هو ـ أي الشهادة وهذه الكلمة قالها الحسين (عليه السّلام) بكتابه إلى أخيه محمد بن الحنفيّة ، كتب إليه : «أمّا بعد ، فمَنْ لحق بي منكم استشهد ، ومَنْ لم يلحق بي لم يبلغ الفتح ، والسلام» (١) ، فأنزل الحسين (عليه السّلام) الشهادة بمنزلة الفتح ، وأي فتح أعظم من هذا؟ فقد ورد في الزيارة : «أخرج عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة». وقد هدّ عرش اُميّة ، وجدّد دين جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشهادته (عليه السّلام). قال أرباب التاريخ : ولمّا كان في آخر الليل أمر الحسين (عليه السّلام) بالرحيل ، فسار من قصر مقاتل ، ولمّا طلع الفجر نزل وصلّى بأصحابه ، ثمّ ركب وأخذ يتياسر بهم ، وكلّما أراد أن يميل نحو البادية يمنعه الحرّ بن يزيد ويردّه وأصحابه نحو الكوفة (٢) جهة الشرق حتّى وافى كربلاء.
ولم يفارقهُ (الرياحيُّ) إلى |
|
أن وقفَ الطرفُ بسبطِ المصطفى |
فضيّقَ الحرُّ عليهِ قائلاً |
|
حطّ عصا الترحالِ يابنَ المرتضى |
فقالَ دعنا أن نسري غلوةً |
|
فقالَ لا تنزلُ إلاّ بالعرا |
الرياحي : هو (الحرّ بن يزيد الرياحي) ، وقد مرّت ترجمته مفصّلاً. والغلوة : رمية سهم ، وعن الليث : الفرسخ التام خمسة وعشرون غلوة (٣). قال أرباب التاريخ : ولمّا حاذى الحسين بسيره نينوى إذا براكب على نجيب عليه السلاح متنكباً قوسه مقبلاً ، فوقفوا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين (عليه السّلام) ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من ابن زياد ، وإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حتّى يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام. فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني
__________________
(١) انظر محمد بن الحنفيّة للمؤلّف.
(٢) انظر عمر أبو النصر ـ الحسين بن علي حفيد محمد بن عبد الله ـ ص ١٠٧.
(٣) انظر ابن منظور ـ لسان العرب ـ مادة : غلو.