كنت يابن الحرّ؟ قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب أم مريض البدن؟ قال : أمّا قلبي فلم يمرض ، وأمّا بدني فقد مَنَّ الله عليَّ بالعافية. قال له ابن زياد. كذبت ، ولكنّك كنت مع عدوّنا. قال : لو كنت مع عدوك لرؤي مكاني ، وما كان مثل مكاني يخفى. قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحرّ فقعد على فرسه ، فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج الساعة. قال : عليّ به. فأحضرت الشرطة فقالوا له : أجب الأمير ابن زياد. فدفع فرسه ، ثمّ قال : أبلغوه عنّي أنّي لا آتيه طايعاً أبداً. ثمّ خرج حتّى أتى منزل أحمر بن أياد الطائي ، فاجتمع في منزله أصحابه ، ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه ، ثمّ مضى حتّى نزل المدائن ، وقال في ذلك :
يـقـولُ أمـيـرٌ غادرٌ وابنُ غادرِ |
|
ألا كـنتَ قاتلتَ الحسينَ بنَ فاطمهْ |
فـيـا نـدمي أن لا أكونَ نصرتُهُ |
|
ألا كـلُّ نـفـسٍ لا تـسـدّدُ نادمهْ |
وإنّـي لأنّـي لـم أكـن من حماتِهِ |
|
لـذو حـسـرةٍ ما أن تفارق لازمهْ |
سـقـى اللهُ أرواحَ الـذينَ تآزروا |
|
عـلى نصرهِ سُقياً من الغيثِ دائمهْ |
وقـفـتُ عـلـى أجداثهِم ومحالِهِمْ |
|
فـكادَ الـحشا ينقضُّ والعينُ ساجمهْ |
لَعمري لقد كانوا مصاليتَ في الوغى |
|
سـراعاً إلى الهيجا حماةً ضراغمهْ |
فـإن يـقـتـلـوهُم كلُّ نفسٍ تقيةٍ |
|
على الأرضِ قد أضحت لذلكَ واجمهْ |
ومـا أن رأى الراؤون أفضلَ منهمُ |
|
لدى الموتِ ساداتٍ وزهرٍ قماقمهْ (١) |
أتـقـتـلـهُـم ظلماً وترجو ودادَنا |
|
فدعْ خـطّـةً ليست لنا بملائمهْ |
لَـعـمـري لـقد راغمتمونا بقتلهِمْ |
|
فكـم نـاقـمٌ منّا عليكم وناقمهْ |
أهمُّ مـراراً أن أسـيرَ بجحفلٍ |
|
إلى فئةٍ زاغت عن الحقِّ ظالمهْ (٢) |
فـكـفّوا وإلاّ ذدتُـكـمْ في كتائبٍ |
|
أشـدُّ عـلـيكم من زحوفِ الديالمهْ |
__________________
(١) قماقمه : مفردها قمقام ، السيد الكثير العطاء.
(٢) زاغت : أي مالت عن الحقّ.