في حدود الجبال المشرعة على واد المغمس وهي آخرها ، ويتركها قاصد مكّة على شماله (١). قال ابن مقبل يرثي عثمان بن عفان لمّا قُتل :
فَنِعْفُ وَدَاع فَالصِّفَاحُ فَمَكَّةٌ |
|
فَلَيْسَ بِهَا إلاَّ دِمَاءٌ ومَحْرَبُ |
وحدّث غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهداً يذكر عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال : مرّ بصفاح الروحاء ستون نبيّاً إبلهم مخطّمة بالليف ، قاصدين حجّ البيت. قال أرباب التاريخ : وفي الصفاح لقي الفرزدق الحسين (عليه السّلام) خارجاً من مكّة. قال الفرزدق : حججت باُمّي سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) خارجاً من مكّة مع أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمَنْ هذا القطار؟ فقيل : للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام). قال : فأتيته وسلمت عليه ، وقلت له : أعطاك الله سؤلك ، وأمّلك في ما تحبّ. بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟ فقال : «لو لم أعجل لأُخذت». ثمّ قال لي : «أخبرني عن الناس خلفك». فقلت : الخبير سألت ؛ قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء. فقال : «صدقت ، لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ، وكلّ يوم هو في شأن. إن نزل القضاء بما نحبّ ونرضى فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد مَنْ كان الحقّ بيّنته ، والتقوى سريرته». فقلت : أجل ، بلغك الله ما تحبّ ، وكفاك ما تحذر. قال : وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرّك راحلته وقال : «السلام عليك». ثمّ افترقنا. وفي ذلك يقول :
لقيتُ الحسينَ بأرضِ الصفاح |
|
عليهِ اليلامقُ والدرق (٢) |
قالوا : وسار الحسين (عليه السّلام) من الصفاح قاصداً وادي العتيق.
__________________
(١) انظر صحيح الأخبار ـ محمد بن عبد الله بن بليهد ١ / ٢٢٧.
(٢) اليلامق : مفردها يلمق ، وهو القباء. والدرق : مفردها درقة ، الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب. والعقب (بفتح العين) : العصب الذي تُعمل منه الأوتار ، جمعه أعقاب.