زرود جاء نعي مسلم بن عقيل للحسين (عليه السّلام). ذكر شيخنا المفيد (١) ، عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشعل الأسديان قالا : لمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين (عليه السّلام) في الطريق ؛ لننظر ما يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقناه بزرود ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ، ووقف الحسين (عليه السّلام) كأنّه يريده ، ثمّ تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا الرجل لنسأله ، فإنّ عنده خبر الكوفة. قالا : فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فردّ علينا السلام ، فسألنا : ممّن الرجل؟ فقال : أنا بكر ابن فلان الأسدي ، فانتسبنا له وانتسب لنا ، ثمّ قلنا : أخبرنا عن الناس وراءك. قال : لم أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (٢) ، ورأيتهما
__________________
(١) انظر الشيخ المفيد ـ الإرشاد ـ.
(٢) كان هاني بن عروة هو وأبوه من وجوه الشيعة. ويروى أنّه كان كأبيه صحابيّاً ، وحضر مع أمير المؤمنين (عليه السّلام) حروبه الثلاث ، وهو القائل يوم الجمل شعراً :
يا لكِ حرباً حثّها جمالُها |
|
يقودُها لنقصها ضلاّلُها |
هـذا عليٌّ حولهُ أقيالُها
وروى المسعودي : أنّه كان شيخ مراد وزعيمها ، وكان يركب في أربعة آلاف دراع وثمانية ألف راجل ، فإذا تلاها أحلافها من كندة ركب في ثلاثين ألف دراع ، وكان معمّراً. وذكر بعضهم : أنّ عمره كان ثلاثاً وثمانين سنة ، وقيل : بضع وتسعين سنة. وكان يتوكأ على عصا بهازج ، وهي التي ضربه ابن زياد بها لمّا أُحضر عنده حتّى هشّم أنفه وجبينه ، وسمع الناس الهيعة فأطافت مذحج بالدار ، فخرج إليهم شريح القاضي ، فقال : ما به بأس ، وإنّما حبسه أميره ، وهو حيّ صحيح. فقالوا : لا بأس بحبس الأمير. وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما معاً ؛ أمّا مسلم فقد قتله بكير ورمى بجسده من على القصر إلى الأرض ؛ وأمّا هاني فإنّه أُخرج إلى السوق التي يُباع فيها الغنم مكتوفاً ، فجعل يقول : وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم. وا مذحجاه! وأين منّي مذحج. فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ، ثمّ قال : أما من عصا ، أو سكين ، أو حجر يحاجز به رجل عن نفسه؟! فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقاً ، ثمّ قيل : مدّ عنقك. فقال : ما أنا بها جدّ سخي ، وما أنا معينكم على نفسي. فضربه رشيد التركي مولى عبيد الله فلم يصنع به شيئاً ، فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك. ثمّ ضربه آخر فقتله ، وكان يوم التروية ، وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي :