قابلهمْ بخلقِهِ السامي كما |
|
سقاهمُ من غبِّ ذلك الظما |
وعندها أسمعهم خطابَهُ |
|
وأعلم الحرَّ بما به أتى |
أجابه الحرُّ بلطفٍ وغدا |
|
كالعبدِ من مولاه يطلب الرضا |
قال أهل السير : ولمّا رآهم الحسين (عليه السّلام) ، وقد أثّر العطش بهم في تلك الظهيرة ، وحرّ البادية والهجير. هذا والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها الوقّادة عليهم وهم من غير ماء ، أمر (عليه السّلام) أصحابه وفتيانه ، وقال : «اسقوهم الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفاً». قال : فأقبل أصحاب الحسين (عليه السّلام) يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ الرجل فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت ، وربّما يُسقى الفارس قبلها ، وسقى الآخر وفرسه حتّى سقوهم عن آخرهم. قال علي بن الطعّان المحاربي : كنت مع الحرّ يومئذ فجئت في آخر مَنْ جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) ما بي وبفرسي من العطش ، قال : «أنخ الرواية». والراوية عندي السقاء ، ثمّ قال : «يابن الأخ ، أنخ الجمل». فأنخته ، فقال : «اشرب». فجعلت كلّما أشرب سال الماء من السقاء ، فقال الحسين (عليه السّلام) : «اخنث
__________________
عشر من المحرّم ، ومنعوا من قطع رأس الحرّ وحمله كما فعلوا بالرؤوس ، إذ قطعوها من الأبدان وحملوها على أطراف الرماح. وله اليوم مشهد يزار خارج كربلاء في الموضع الذي كان قديماً يُقال له : النواويس. قال شيخنا المظفّري : وفي قبر الحرّ في النواويس ، النائي عن مرقد الحسين (عليه السّلام) ، ومراقد الشهداء أقوال : قول : إنّه سقط هناك فلم يحمل إلى خيمة القتلى من الشهداء ؛ لحيلولة القوم بينهم وبينه مع اشتغالهم بالحرب. وقول : إنّ عمر بن سعد لمّا أراد أن يقطع الرؤوس أبت بنو تميم أن يُقطع رأس الحرّ ، فحملوه ودفنوه هناك. ويقال : إنّما حملوه لأنّ عمر بن سعد أمر بوطء جثث القتلى ؛ امتثالاً لأمر ابن زياد ، فقامت بنو تميم وحامت عنه ومنعت منه ، ثمّ حملته إلى هذا الموضع. ومنعت كلّ قبيلة عن وطء جثة رجلها ، لكنّهم لم يحملوهم ولم يدفنوهم ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ المأمور به ابن سعد وطء جسد الحسين (عليه السّلام) خاصة ، فوطأته الخيل دون سائر الشهداء من الهاشميِّين وغيرهم كما صرّحت بذلك كتب المقاتل. وهناك قول آخر يُعدّ رابعاً : إنّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) أمر بني أسد بنقله هناك ، وهذا بعيد جداً.