أخذ العطش منهم ما أخذ ، هذا والحسين وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.
__________________
ثمّ قال له : «انزل». قال : أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً ؛ اُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري. ثمّ قال : يابن رسول الله ، كنت أوّل خارج عليك فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك ؛ فلعلي أكون ممّن يصافح جدّك محمداً غداً في القيامة. فقال له الحسين (عليه السّلام) : «إن شئت فأنت ممّن تاب الله عليه ، وهو التواب الرحيم». قال أهل السير : فكان أوّل مَنْ تقدّم إلى البراز ، فأنشأ يقول :
إنّـي أنا الحرّ ومأوى الضيفِ |
|
أضـربُ فـي أعناقكم بالسيفِ |
عن خيرِ مَنْ حلّ بأرضِ الخيفِ |
|
أضـربكم ولا أرى مـن حيفِ |
ويروى أنّ الحرّ لمّا لحق بالحسين (عليه السّلام) قال له رجل من بني تميم يُقال له يزيد بن سفيان الثغري : أما والله لو لقيته حين خرج لأتبعته السنان. فبينا هو يُقاتل وإنّ فرسه لمضروب على أذنه وحاجبه ، وإنّ الدماء لتسيل منه ، إذ قال الحصين بن نمير : يا يزيد ، هذا الحرّ الذي كنت تتمنّاه فهل لك به. قال : نعم. وخرج إليه ، فما لبث الحرّ أن قتله ، وقتل أربعين فارساً وراجلاً ، وهو يتمثّل بقول عنترة :
ما زلتُ أرميهمْ بثغرةِ نحرِه |
|
ولـبانه حتّى تسربلَ بالدمِ |
ولم يزل يُقاتل حتّى عرقب فرسه ، فوثب عنه الحرّ كأنّه الليث ، والسيف بيده ، وهو يقول :
إن تعقروا بي فأنا ابنُ الحرّ |
|
أشـجعُ من ذي لبدٍ هزبرِ |
وراح يُقاتل راجلاً ، وهو يقول :
آلـيتُ لا اُقـتلُ حتّى أقـتلا |
|
ولا اُصـابُ الـيومَ إلاّ مقبلا |
أضربكم بالسيفِ ضرباً معضلا |
|
لا نـاكـلاً فـيكم ولا مهللا |
فلم يزل يُقاتل حتّى تعطّفوا عليه وقتلوه. فمشى لمصرعه الحسين (عليه السّلام) وأبّنه بكلمته المعروفة. وقف عليه قائلاً: «أنت حرّ كما سمّتك أمك، حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة». ورثاه علي بن الحسين (عليه السّلام) بقوله:
لـنعمَ الحرُّ حرّ بني رياحِ |
|
صبورٌ عند مشتبكِ الرماحِ |
ونعمَ الحرُّ إذ واسى حسيناً |
|
وجـادَ بنفسهِ عند الصياحِ |
وذكروا أنّ الحسين (عليه السّلام) أخرج منديله وعصب به رأس الحرّ. وذكر شيخنا السماوي ، ومثله العلاّمة المظفري ، قال : وإنّما دفنت بنو تميم الحرّ بن يزيد الرياحي نحو ميل من الحسين (عليه السّلام) حيث قبره الآن ؛ اعتناءً به. ويذكر أنّ بعض ملوك الشيعة استغرب من ذلك ، فكشف عن قبر الحرّ فوجده على صفته التي ذكرها التاريخ ، وأنّ رأس الحرّ غير مقطوع ، وهو معصّب بعصابة ، فطمع بها وراح ليحلها ويأخذها تبرّكاً بها ، فانبعث الدم من جبينه فشدّها على حالها ، وعمل على قبره صندوقاً. ولعل بنو تميم هم الذين تكتّلوا يوم الحادي