ولمزيد من الرفق أمرت هذه الآية الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ومن يقتدي به من باب أولى ـ أن يشاور أُولئك الذين صدر عنهم الفرار من الزحف وتركوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الميدان مع نفرٍ قلائل من أصحابه ، فقال عزَّ وجل ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر ) وبعد ذلك يُمضي ما يراه الأصوب في ذلك ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) والآية اذن تضرب على وتر الرفق بكلِّ أبعاده ليُنشد أنغامه القدسية في هذه الحياة ، وليصنع الأثر الذي يريده الله تعالى في درب التكامل البشري من خلال رسالته السامية.
ويحضى الأمر باللين والرفق والرحمة في هذا الموضع بالذات بوقع خاص يجلّي أهميّة هذه القيم على نحو قد يُظهره موضع آخر .. إذ جاء ذلك على أثر مخالفة المسلمين أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم أُحد ، تلك المخالفة التي أدّت إلى أسوء النتائج إذ دهمهم العدو ، فلم يجدوا في أنفسهم ثباتاً ، فانقلبوا منهزمين يلوذون بالجبل ، وتركوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع نفرٍ يسير من أصحابه ، حتى أثخنته الجراح وكُسرت رباعيته وشُجّ وجهه ، وهو صامد يدعوهم فلم يفيئوا إليه حتى انكشف العدو ، فلمّا رجعوا لم يعنّفهم ولم يُسمعهم كلمة ملامة ولا ذكّرهم بأمره الذي خالفوه فتحمّلوا بخلافهم مسؤولية كلّ ما وقع .. « بل رحّب بهم وكأن شيئاً لم يكن ، وكلّمهم برفق ولين ، وما هذا الرفق واللين إلاّ رحمة من الله بنبيّه وعون له على رباطة الجأش .. وإذا مدح الله نبيّه بكظم الغيض والرفق بأصحابه على اساءتهم له، فبالأولى أن يعفو الله ويصفح عن عباده المسيئين .. ثمّ بيّن سبحانه الحكمة من لين جانب نبيّه الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم بخطابه له : ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ ) وشمت العدوّ بك وطمع فيك ولم يتمّ أمرك وتنتشر رسالتك ..