بلا استعلاء وخيلاء.
الهون ، مصدر هان عليه الشيء يهون ، أي : خفَّ ، وهذا يعني أنّ مشيهم على الأرض مشية مُرفِقٍ بها لا يثير غبارها ، لسهولة التعامل معها واللين في تماسها ، وخفّة الروح عليها. ومن كانت هذه صفته مع الأرض التي يطأها فهو مع ساكنيها ـ من بني جنسه ـ أهون في تعامله وأرقّ في معاشرته وأخفّ في روحه.
وبهذه الكلمات يرسم القرآن صورة المؤمن الحقّ ظاهرةً وباطنةً فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعمّا يستكن فيها من مشاعر ، والنفس السوية المطمئنة الجادّة القاصدة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها.
وليس معنى ( يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا ) أنّهم يمشون متماوتين منكّسي الرؤوس متداعي الاَركان متهاوي البنيان ، كما يفهم بعض الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح ! فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا مشى تكفّأ تكفّئاً وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها .. قال الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا مشى تكفّأ تكفُّؤاً كأنّما ينحطُّ من صبب » (١) وهي مشية أُولي العزم والهمّة والشجاعة.
وأما الصفة الثانية : فهي ( إِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) فهم لا يمارون الجاهل ولا يقارعونه بالحجة تلو الحجة التي لا يستطيع هضمها وفهمها ، بل يرفقون به ويقدّرون مبلغ علمه ومستوى جهله ويرأفون بحاله
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ : ٢٢١.