أما القائد الرئيس فإنه كان ثابت العزم ، قوي الإرادة فيما قصده ، فهو قائد كبير ، والحكومة تخشى العاقبة ، ولكنه مقتنع واثق من النجاح ، ولم يبال بكل ما وصل إليه من تقريع فرأى أن سلامة الفيلق تتوقف على الانتصار على آل السعدون ، فقدم دلائل قوية وأصرّ على فكرته.
طالت المخابرة ، وزادت المطاولات من السعدون. حوصرت الناصرية وكان فيها فوجان كما تقدمت القبائل وتعاهدت. فأزعجت البصرة بما ترميه عليها ليلا ونهارا من طلقات البنادق ، فكانت الأوضاع تستدعي أن تحل القضية بقوة السلاح.
ومن ثم أبرق القائد الرئيس إلى السلطان :
«أيها السلطان إن ليرات السعدون ، وحرص الوكلاء الحاضرين وطمعهم إذا كانا موجودين فلا يمكن إصلاح العراق» ا ه.
كان لهذه البرقية أثرها ، فأربكت أمر الحكومة سواء في المابين ، أو في دوائر الدولة الأخرى ، فقيل إن تأديب هؤلاء يحتاج إلى قوة عسكرية متألفة من ١٥٠ ألف جندي كما بيّن ذلك رديف باشا في لائحته. وكان جواب البرقية بأن هذه تحتاج إلى قوة مالية ، والحالة لا تساعد على إدارة مثل هذا الجيش إلا أنكم إذا كنتم تميلون إلى غير ذلك فالمسؤولية تكون في عهدتكم وامضوا بما عندكم من موجود ، فإذا قدرتم على الإصلاح فابدأوا في تأديب الثائرين.
أما القائد فإنه لم يفتر عزمه ، ولا خشي من هذا التهديد حتى إنه لم يبال بالحرّ والموسم صيف ، فتدارك ما تيسر له من قوة قليلة ، ومضى بنفسه فوصل إلى الحيّ. وبواسطة يهودي قدم إليه مبلغ ثلاثين ألف ليرة من منصور باشا ، فلم يتنزل لقبولها ، وأمر أن ينقاد إلى مطالب الحكومة ونصحه أن يرجع عما فكر فيه. فانتظر ثلاثة أيام في الحي. وفي هذه المدة خابر أمير ربيعة فتمكن القائد من فصله عن آل السعدون.