في اللغة بصيرا بالفقه عارفا بالمذهب ، عالي الإسناد ، ثخين الورع ، كثير العبادة والمراقبة ، شديد الانتصار لألفاظ الشافعي ، متحريا في دينه».
حياة أبي منصور الأزهري :
أقام أبو منصور صدر حياته في مدينة هراة حيث ولد بها سنة ٢٨٢ وسمع بها من الحسين بن إدريس ، ومحمد بن عبد الرحمن السامي وطائفة ، كما ذكر السبكي في طبقاته. ثم سافر أبو منصور عن هراة مسقط رأسه ، شابا يافعا ، إلى أرض العراق قاصدا للحج. وعند عودته من الحج أسرته الأعراب في طريقة ، وذلك في فتنة القرمطي (١) سنة ٣١٢ ه في أيام المقتدر بالله بن المعتضد (٢) ، وكانت سن الأزهري في ذلك الحين نحو الثلاثين ، لأن مولده كان سنة ٢٨٢ ه.
والقرمطي هذا هو أبو طاهر الحسين بن أبي سعيد الجنّابي (٣) ، وكان قد اعترض الحجيج وهم راجعون من بيت الله الحرام ، قد أدوا ما فرض الله عليهم ، فقطع عليهم الطريق فقاتلوه دفعا عن أموالهم وأنفسهم وحريمهم ، فقتل منهم خلقا كثيرا لا يعلمهم إلا الله ، وأسر من نسائهم وأبنائهم ، واصطفى من أموالهم ما أراد ، وترك بقية الناس بعد ما أخذ جمالهم وزادهم ، وأموالهم ونساءهم ، بلا زاد ولا محمل.
ويذكرون أن عمر هذا الطاغية كان إذ ذاك سبع عشرة سنة. وقد سجّل الأزهري هذه الحادثة إذ يقول في مقدمة «تهذيب اللغة» (٤) :
__________________
(١) القرمطي ، بكسر القاف والميم : نسبة إلى قرمط ، وكان رجلا من سواد الكوفة ، وللقرامطة مذهب مذموم ، وكانوا قد ظهروا في سنة ٢٨١ في خلافة المعتضد وطالت أيامهم وعظمت شوكتهم واستولوا على بلاد كثيرة. انظر «السمعاني» (ص ٤٤٨) و «ابن خلكان» في ترجمة الأزهري.
(٢) انظر «صلة تاريخ الطبري» لعريب بن سعد القرطبي في حوادث تلك السنة (١٢ / ٦١) ، و «البداية والنهاية» لابن كثير (١١ / ١٤٩ ، ١٥٠).
(٣) الجنابي بفتح الجيم وتشديد النون : نسبة إلى جنابة ، وهي بلدة بساحل بحر فارس. انظر «السمعاني» و «ابن خلكان» و «ياقوت». وقد ظهر أبو سعيد الجنابي القرمطي سنة ٢٧٨ بناحية البحرين وهجر ، وقتله خادم له سنة ٣٠١ كما في «وفيات الأعيان» في ترجمة الأزهري و «الطبري» (١١ / ٤٠٨). وفي الجزء الأول من «التهذيب» (ص ٣٧٦) في مادة (لعج): «وسمعت أعرابيا من بني كليب يقول : لما فتح أبو سعيد القرمطي هجر سوى حظارا من سعف النخل ، وملأه ، من النساء الهجريات ثم ألعج النار في الحظار فاحترقن».
(٤) انظر ص ٧.