«وكنت امتحنت بالإسار سنة عارضت القرامطة الحاج بالهبير ، وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عربا عامتهم من هوازن (١) ، واختلط بهم أصرام من تميم وأسد بالهبير ، نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ، ويرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ ، ويرعون النعم ويعيشون بألبانها ، ويتكلمون بطباعهم البدوية ، وقرائحهم التي اعتادوها ، ولا يكاد يقع في منطقهم لحن أو خطأ فاحش ، فبقيت في إسارهم دهرا طويلا. وكنا نتشتى الدهناء ونتربع الصمان ، ونتقيظ الستارين ، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بعضهم بعضا ألفاظا جمة ، ونوادر كثيرة ، أوقعت أكثرها في مواقعها من الكتاب ، وستراها في مواضعها إذا أتت قراءتك عليها إن شاء الله».
وأقام الأزهري في ذلك الأسر دهرا طويلا ، كما يقول ، ثم تخلص من الأسر ودخل بغداد ، كما يقول القفطي ، وقد استفاد من الألفاظ العربية ما شوّقه إلى استيفائها ، وحضر مجالس أهل العربية.
شيوخه في بغداد :
وفي بغداد تلمذ على :
١ ـ أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه (٢٤٤ ـ ٣٢٣ ه).
٢ ـ أبي بكر محمد بن السري بن سهل ، المعروف بابن السراج (... ـ ٣١٦ ه).
٣ ـ أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (٢١٤ ـ ٣١٧ ه).
قال ابن خلكان : «ورأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج وأبا بكر بن الأنباري ، ولم ينقل عنه أنه أخذ عنهما شيئا».
لكن ذكر الأزهري في مقدمة التهذيب (ص ٢٧) أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (... ٣١١ ه) وقال : «حضرته ببغداد بعد فراغه من إملاء الكتاب ـ يعني كتاب المعاني ـ فألفيت عنده جماعة يسمعونه منه».
ثم قال : «وما وقع في كتابي له من تفسير القرآن فهو من كتابه ، ولم أتفرغ ببغداد لسماعه منه».
__________________
(١) مما يذكره التاريخ أن القرامطة جعلوا يستميلون بعض العرب ويدعونهم إلى نحلتهم حتى استجاب لهم أهل البحرين وما والاها. انظر «ياقوت» في رسم (جنابة). فلعل هؤلاء الأعراب كانوا من الموالين للقرامطة ، أو أن هؤلاء القوم أسروا الأزهري مساوقة للفوضى السياسية التي ضربت أطنابها في هذه الحقبة من الزمن.