وهذا يعني أنه سمع منه بعض السماع.
ويقول الأزهري أيضا في أبي بكر بن الأنباري في المقدمة (ص ٣١) عند الكلام على ابن قتيبة : «ورأيت أبا بكر بن الأنباري ينسبه إلى الغفلة والغباوة وقلة المعرفة. وقد رد عليه قريبا من ربع ما ألفه في مشكل القرآن».
ولقي الأزهري في بغداد أيضا أبا بكر بن دريد (٢٢٣ ـ ٣٢١ ه) ولكنه لم يأخذ عنه شيئا. وفيه يقول في المقدمة (١) (ص ٣١) :
«وممن ألف في عصرنا الكتب فوسم بافتعال العربية وتوليد الألفاظ التي ليس لها أصول ، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم : أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، صاحب كتاب «الجمهرة» وكتاب «اشتقاق الأسماء» ، وكتاب «الملاحن». وحضرته في داره ببغداد غير مرة فرأيته يروي عن أبي حاتم ، والرياشي ، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي ، فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه عنه ، فاستخف به ولم يوثقه في روايته. ودخلت يوما عليه فوجدته سكران لا يكاد يستمر لسانه على الكلام من غلبة السكر عليه. وتصفحت كتاب «الجمهرة» له فلم أره دالا على معرفة ثاقبة ، وعثرت منه على حروف كثيرة أزالها عن وجوهها ، وأوقع في تضاعيف الكتاب حروفا كثيرة أنكرتها ولم أعرف مخارجها ، فأثبتها من كتابي في مواقعها منه ، لأبحث عنها أنا أو غيري ممن ينظر فيه ، فإن صحت لبعض الأئمة اعتمدت ، وإن لم توجد لغيره وقفت».
فهذا النص يطلعنا على مدى العلاقة العلمية بين الأزهري وابن دريد ، وعلى مدى توثيقه له.
لكن السيوطي يقول في «المزهر» (١ / ٩٣) : «قلت معاذ الله ، هو بريء مما رمي به. ومن طالع «الجمهرة» رأى تحريه في روايته».
عودته إلى هراة :
ويبدو أنه لم يمكث ببغداد طويلا. قال القفطي :
«ثم رجع أبو منصور رحمهالله إلى هراة ، واشتغل بالفقه على مذهب الشافعي ، وأخذ اللغة عن مشايخ بلده ، ولازم المنذري الهروي وأخذ عنه كثيرا من هذا الشأن ، وشرع في
__________________
(١) مثل هذا النص التالي ما جاء في «إنباه الرواة» و «معجم الأدباء». عن الخطيب البغدادي قال : «دخلت على أبي بكر محمد بن دريد داره ببغداد لآخذ عنه شيئا من اللغة ، فوجدته سكران فما عدت إليه».