(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحِجر : ٢٢] ، قرأها حمزة (وأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ) لأن الريحَ في معنى جمع ، قال : ومن قرأ (الرِّياحَ لَواقِحَ) فهو بَيِّن ، ولكن يُقالُ : إنما الرِّيحُ مُلْقِحة تُلْقح الشجر فكيف قِيلَ لواقِح؟ ففي ذلك معنيان أحدُهما أن تجعل الريحَ هي التي تَلْقَح بمرورِها على التُّرابِ والماءِ فيكون فيها اللِّقاحُ فيقال رِيحٌ لاقِح كما يقال : ناقة لاقِحٌ ، ويَشْهَد على ذلك أنه وصف رِيحَ العذاب بالعقِيم (١) فجعلها عَقِيماً إذ لم تَلْقَح. قال : والوجهُ الآخر أن يكون وَصَفَها باللَّقْح وإن كانت تُلْقح كما قيل : ليل نائم والنَّوْم فيه ، وسرٌّ كاتمٌ ، وكما قيل : المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ فجعله مَبْرُوزاً ولم يقل مُبْرِزاً ، فجاز مَفْعُول لمُفْعَل ، كما جاز فاعِل لِمَفْعُول إذ لم يزدِ البِناءُ على الفِعْل ، كما قيل ماء دافِق.
وأخبرني المُنْذِرِيّ عن الحَرَّانِي عن ابن السِّكِّيت قال : لواقِحُ : حَوَامل ، واحدتها لاقِح. قال : وسَمِعْتُ أبا الهَيْثَم يقول : ريحٌ لاقِحٌ أي ذاتُ لِقاح كما يُقال : دِرْهَم وازِنٌ أي ذو وَزْنٍ ، ورجل رامِحٌ وسائِفٌ ونابِل ، ولا يقال : رَمَح ولا سافَ ولا نَبَل ، يُرادُ ذو رُمْح وذو سَيْفٍ وذو نَبْل.
قلت : وقيل : معنى قوله : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحِجر : ٢٢] أي حوامِل جعل الريح لاقحاً لأنها تحمل الماء والسحاب وتقلّبه وتصرّفه ثم تَسْتَدِرّه ، فالرياح لواقح أي حوامل على هذا المعنى ، ومنه قولُ أبي وَجْزَة :
حتى سَلَكْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ في مَسَك |
من نَسْلِ جَوَّابَةِ الآفاق مِهْدَاج |
سلكْنَ يعنِي الأُتُن أدخلن شَواهُنَّ أي قوائمهن في مَسَك أي في ماء صار كالمَسَك لأيديها ، ثم جعل ذلك الماء من نَسْلِ ريح تجوب البلاد ، فجعل الماء للريح كالولد : لأنها حملته.
ومما يحقق ذلك قولُ الله جلّ وعزّ : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً) [الأعرَاف : ٥٧] أي حَمَلت ، فهذا على المعنى لا يحتاج إلى أن يكون لاقِحٌ بمعنى ذي لَقْح ، ولكنها حاملة تحمِلُ السحاب والماء.
ويقال للرجل إذا تكلم فأشار بيديه : تلقَّحَتْ يداه ، يُشَبَّه بالناقة إذا شالت بذنبها تُرِي أنها لاقح لئِلَّا يدنو منها الفَحْلُ فيقال تلقَّحت ، وأنشد
تَلَقَّحُ أيدِيهم كأَنّ زَبِيبَهُم |
زبيبُ الفُحُول الصِّيدِ وهي تَلَمَّحُ |
أي أنهم يُشيرون بأيديهم إذا خطبوا ، والزَّبيبُ : شِبْه الزَّبَدِ يظهر في صامِغَي الخطيب إذا زَبَّبَ شِدْقاه.
لحق : الليث : اللّحَق : كلّ شيء لَحِق شيئاً أو أَلْحَقْتَهُ به من النبات ومن حَمْلِ النَّخْل ، وذلك أن يُرْطِبَ ويُثْمِر ، ثم يخرُج في بعضه شيء يكون أخضر قَلَّ ما يُرْطِب حتى يُدْرِكه الشِّتَاء ويكون نحو ذلك في
__________________
(١) يعني قوله تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١].