وما ورد في القرآن متناسق حروف الروي والايقاع ، موحد خاتمة الفاصلة بالصوت ، ويقف فيه بالآية على الحرف الذي وقف عنده في الآية التي قبلها ، فلا يسمى سجعاً عند علماء الصناعة « ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز ، ولو جاز أن يقال : هو سجع معجز ، لجاز أن يقولوا : شعر معجز ، وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب ، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر ، لأن الكهانة تنافي النبوّات بخلاف الشعر » (١).
إذن لم يسموها أسجاعاً ، ولم يصطلحوا عليها قوافي ، إذ استبعدوا تسميتها بالقوافي تكريماً للقرآن بأن يقاس على منظوم كلام البشر ، وستأتي معالجة هذا الرأي فيما بعد ، وأما تجنب تسميتها سجعاً « فلأن أصله من سجع الطير ، فشرّف القرآن أن يستعار لشيء فيه لفظ هو أصل في صوت الطّار ، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في اسم السجع الواقع في كلام آحاد الناس » (٢).
والمدرك الأول يساعد عليه مقتضى تفسير اللغة ، وأصول إرجاع المصطلحات إلى قواعدها الأولى ، قال ابن دريد ( ت : ٣٢١ هـ ) : « سجعت الحمامة معناه : رددت صوتها » (٣).
والمدرك الثاني يساعد عليه الاعتبار العام ، وتبادر الذهن في الفهم ، فقد شاع السجع بين العرب في الجاهلية ، واقتسمه كل من الخطباء والكهان والمتنبئين ، وتوازن استعماله متفرقاً بين أصناف من الناس.
يبدو مما سلف أن مما تواضع عليه جهابذة الفن ، وأئمة علوم القرآن ، يضاف إليهما علماء اللغة ، هو : أن نهاية بيت الشعر تسمى قافية ، ونهاية جملة النثر تسمى سجعاً في الأسجاع ، ونهاية الآية تسمى فاصلة.
وهذا التفريق الدقيق قائم على أساس يجب أن نتّخذه أصلاً ، وبرنامج
__________________
(١) السيوطي ، الاتقان : ٣|٢٩٣.
(٢) الزركشي ، البرهان : ١|٥٤.
(٣) السيوطي ، الاتقان : ٣|٢٩٣.