يبدو أن إلحاق هذه الألف في « الظنون » « السبيل » « الرسول » يشكل تلقائياً ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل ، وإلا فما يضير الفتح لولا الملحظ الصوتي « لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين في الوقف ، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع ، وتناسب نهايات الفواصل » (١).
وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في «هي » لتوافق الفاصلة الأولى الثانية في قوله تعالى : ( وما ادراك ما هيه * نار حامية ) (٢).
وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء « السكت » في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها ، فتقف خاشعاً مبهوراً ، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقي الحزين ، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق ، فتتقطع الأنفاس ، وتتهجد العواطف ، واجمة ، متفكرة ، متطلعة ، فتصافح المناخ النفسي المتفائل حيناً ، والمتشائم حيناً آخر ، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء ، والأمل والفزع ، والخشية والتوقع ، فسبحان الله العظيم حيث يقول :
( يومئذ تعرضون لا تخفا منكم خافية * فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم أقرءوا كتابيه * أني ظننت أنى ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية * قطوفها دانية * كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * ياليتها كانت القاضية * مآ أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه ) (٣).
فأنت تلاحظ الفواصل : كتابيه ، حسابيه ، كتابيه ، حسابيه ، ماليه ، سلطانيه ، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاء للتوافق.
وما زلنا عند الهاء ، فتطلع إليها ، وهي ضمير ملصق بالفواصل ،غير زائد بل أصلي الورود ، وقد حقق بذلك وقعه في النفس ، وجرسه في
__________________
(١) الزركشي ، البرهان : ١|٦١.
(٢) القارعة : ١٠ ـ ١١.
(٣) الحاقة : ١٨ ـ ٢٩.