على ذروة مميزاته العليا ، ولم يكن ضرباً من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعاً ( وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين ) (١).
فهو ليس من سنخ ما يتقولون ، ولا بنسيج ما يتعارفون ، ارتفع بلفظه ومعناه ، وطبيعته الفنية الفريدة ، عن مستوى الفن القولي عند العرب ، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه :
الأول : التـأكيد في القرآن نفسه بنفي صفة الشعر عنه ، والتوجيه بأنه ذكر وقرآن مبين بقوله تعالى :
( وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرءان منين ) (٢).
الثاني : الردّ في القرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر ، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن :
١ـ الملحظ الافترائي الموجه إليه ، والمعبر عن حيرة المشركين :
( بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بأية كما أرسل الأولون ) (٣).
٢ ـ التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي ، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب :
( ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون ) (٤).
٣ ـ التربص بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتوقع الموت له ، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!!
( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) (٥).
الثالث : إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم ، فالشعر ديوان العرب ، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيراً عن اعتدادهم بالشعر ، واعتزازهم بالشعراء ، وهم أئمة البيان ورجال
__________________
(١) الحاقة : ٤١ ـ ٤٣. (٢) ياسين : ٦٩. (٣) الأنبياء : ٥. |
(٤) الصافات : ٣٦. (٥) الطور : ٣٠. |