ب ـ وأما المخالفة : Dissimilation فتطلق عادة على أي تغيير أصواتي يهدف إلى تأكيد الاختلاف بين وحدتين أصواتيتين ، إذا كانت الوحدات الأصواتية موضوع الخلاف متباعدة (١) أو تؤدي إلى زيادة مدى الخلاف بين الصوتين (٢).
وقد وهم الدكتور إبراهيم أنيس رحمهالله بعدّه علماء العربية القدامى لم يفطنوا لظاهرة المخالفة في الأصوات ولم يعنوا بها عناية بالغة (٣).
بينما يدل الاستقراء المنهجي لعلم الأصوات عند العرب أن قوانين علم الصوت العربي لم تفتها ظاهرة المخالفة بل تابعتها بحدود متناثرة في كتب اللغة والنحو والتصريف ، وهو ما فعله علماء العربية في التنظير للمخالفة تارة ، وبدراستها تارة اخرى ، منذ عهد الخليل بن أحمد ( ت : ١٧٥ هـ ) حتى ابن هشام الأنصاري ( ت : ٧٦١ هـ ).
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين « عرفت العربية ظاهرة المخالفة في كلمات مثل : تظنّن ، حيث توالت ثلاث نونات ، فلما استثقل الناطق ذلك تخلص من أحدها بقلبها صوت علة فصارت : تظنى .. ولها أمثلة في الفصحى مثل : نفث المخ : أنفثته نفثاً ، لغة في نقوته ، إذا استخرجته ، كأنهم أبدلوا الواو تاءّ » (٤).
وهذا ما ذهب إليه الأستاذ فندريس في ظاهرة المخالفة صوتياً ، وكأنه يترجم تطبيق العرب بأن « يعمل المتكلم حركة نطقية مرة واحدة ، وكان من حقها أن تعمل مرتين » (٥). فإذا تركنا هاتين الظاهرتين إلى مصطلحين صوتيين آخرين يعنيان بمسايرة تطور الصوت في المقطع أو عند المتكلم ، وهما : النبر والتنغيم ، لم نجد العرب في معزل عن تصورهما تصوراً أولياً إن لم يكن تكاملياً ، وإن لم نجد التسمية الاصطلاحية ، ولكننا قد نجد مادتها التطبيقية في شذرات ثمينة.
__________________
(١) ظ : مالمبرج ، علم الأصوات : ١٤٨.
(٢) ظ : تمام حسان ، مناهج البحث في اللغة : ١٣٤.
(٣) ظ : إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : ٢١١.
(٤) عبد الصبور شاهين ، علم الأصوات الدراسة : ١٥٠.
(٥) فندريس ، اللغة : ٩٤.