فاللغات أصوات ، ومهمة هذا البحث ضم هذه المفاهيم في وحدة فنية لا تنفصل ، فخاض غمار هذا الموضوع الشائك ، وخرج بجملة صالحة من النتائج والكشوف التي أرجو متفائلاً أن تضيف شيئاً ما للمكتبة القرآنية بخاصة ، والمكتبة العربية بعامة ، والمكتبة الصوتية في العالم مطلقاً.
إن التماس النظريات الصوتية المعقدة في رحاب القرآن العظيم مما يحتاج إلى الصبر والأناة ، واستكناه فصائل هذا الملحظ الدقيق مما يدعوا الى الترصد والتصدي والاستنتاج ، فالصوتيات علم سبق إليه علماء العربية فيما ثبت بالبحث ، وتناوله الأوروبيون بالنقد والتمحيص في ضوء أجهزة العلم المتطورة ، وكان حصيلة هذا السبق وهذا التناول المزيد من الدراسات المنهجية المتقدمة التي ما زال للبحث فيها فضل استزادة وريادة ، وللباحث فيها موطن تشبث واستقراء. بيد أن إخضاع هذه المقاييس الفنية في الأشكال ، والموازين الصوتية في القياسات لمحكم الآي المجيد لا يتأتي بيسر وسماح ، ولا يتم بتجوال مجمعي بسيط ، فليس السبيل معبدا ، ولا المعالم من الوضوح بحيث تُستوعب استيعاب المسلمات البديهية ، فقد تتخلل هذا وذاك العقبات التنظيرية ، وقد تعيقه قلة المصادر والموارد ، فيبقى الفكر متكلاً على عبقريته في الإبداع ، والبحث معتمداً على سجيته في الاستنباط ، والباحث بينهما قد يخطىء ويصيب ، والأسنّة من حوله مشرعة ، فهو بأزاء مقارنة صعبة ، وخيارات أهونها ذو عسرة وشدة متصلتين ، حتى ليضيق ـ أحياناً ـ بالحديث حذر المتاهات ، وتجاوز صلب الموضوع.
ومهما يكن من أمر ما قدمناه ، فقد ترعرع هذا البحث المستفيض في خصائص الصوت القرآني وملامحه ومميزاته فيما لم يسبق إليه صوتياً في ستة فصول انتظمت شمل هذا الكتاب ، أشير إليها هنا بالتسمية ، وأحيل معها على خاتمة البحث في استلهام النتائج ، واستقراء الحقائق التي أرجو أن أفيد منها ويفيد الجيل ما نتبصر به بين يدي كنوز القرآن ، ومكنونات التراث ، وفضل العربية على اللغات :
الفصل الأول ، وعنوانه : ( أبعاد الصوت اللغوي ).
وقد تناول بالبحث المركز المفردات الآتية :