بتأليف المتباعد المخارج ، دون المتقارب » (١).
وبعيداً عن هذا وذاك ، فان الطبيعة التركيبة في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها ، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة ، والرقة في تجانس الأصوات ، لذلك فقد استبعد العرب جملة من الألفاظ لا تنسجم صوتياً في تداخل حروفها ، وتنافر مخارجها ، سواء أكانت قريبة أم بعيدة « فإن الجيم لا تقارن الفاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا بتأخير.
والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير » (٢).
وفي هذا دلالة على « أمتياز اللغة العربية في مجموع أصوات حروفها بسعة مدرجها الصوتي سعة تقابل أصوات الطبيعة في تنوعها وسعتها ، وتمتاز من جهة أخرى بتوزعها في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات » (٣).
وكان التنافر في أصوات الكلمة موضع عناية عند السكاكي ( ت : ٦٢٦ هـ ) ومن بعده القزويني ( ت : ٧٣٩ هـ ) عند مباحث فصاحة المفرد ، وهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ، ومخالفة القياس اللغوي ، وعند فصاحة الكلام ، وهي خلوصه من ضعف التأليف ، وتنافر الكلمات ، والتعقيد بشقيه اللفظي والمعنوي ، وهي موضوعات جرى على إدراجها في الموضوع علماء المعاني والبيان بعد السكاكي والقزويني إدراجاً تقليدياً للقول بسلامة القرآن من التنافر (٤).
ولا حاجة بنا إلى تأكيد هذا القول فهو أمر مفروغ عنه في القرآن ، وبقيت مفردات الصوت اللغوي فيه موضوع عناية البحث.
__________________
(١) ابن الأثير ، المثل السائر : ١٥٢.
(٢) الجاحظ ، البيان والتبيين : ١| ٦٩.
(٣) أحمد مطلوب ، بحوث لغوية : ٢٨.
(٤) ظ : القزويني ، الإيضاح في علوم البلاغة : ٧٢ ـ ٧٩.