ويلاحظ أن الزمخشري قد استدرك على الباقلاني في جدولته لأنصاف الحروف الواردة في فواتح السورة استدرك عليه : الحروف الرخوة ، والمنفتحة ، والمستعلية ، والمنخفضة ، وحروف القلقلة ، ولكنها داخلة عند الباقلاني في جملة حروف الحلق وغير الحلق ، إلا أن الزمخشري قد وسعها تفصيلاً ، وترك الاجمال ، وأورد المسميات.
ثالثاً : وبعد هذا التقسيم الدقيق تعقب الزمخشري حكمة هذا التركيب ، وغاية هذا الذكر ، وفلسفة هذه الأصوات ، فقال : « ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها ، رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكور منها ، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته ، فكأن الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم ، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم ، وإلزام الحجة إياهم » (١).
رابعاً : ورصد الزمخشري مواطن استعمال هذه الأصوات وكثرتها ، بحسب الجاري على ألسنة العرب في تكاثر بعض الحروف دون بعض ، وعرض لفائدة التكرار في جملة منها ، وتناول مسألة تفريقها على السور دون جمعها في أول القرآن ، وكأنه يشير إلى الحكمة المتوخاة من كل جانب فقال : « ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم : أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين ، وهي : فواتح سورة البقرة ، وآل عمران ، والروم ، والعنكبوت ، ولقمان ، والسجدة ، والأعراف ، والرعد ، ويونس ، وإبراهيم ، وهود ، ويوسف ، والحجر. فإن قلت : فهلا عدّدت بأجمعها في أول القرآن ، وما لها جاءت مفرقة على السور؟ قلت : لأن إعادة التنبيه على أن المتحدى به مؤلف منها لا غير ، وتجديده في غير موضع واحد ، أوصل إلى الغرض ، وأقوله في الأسماع والقلوب ، من أن يفرد ذكره مرة ، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس
__________________
(١) الزمخشري ، الكشاف : ١|١٠٣.