والقول أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ، ولا يعلم تأويلها إلا هو ، هو المروي عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام في رواية أهل السنة (١).
وقد أنكر المتكلمون هذا القول ، وردوا هذا الزعم ، فقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يفهمه الخلق لأن الله أمر بتدبره ، والاستنباط منه ، وذلك لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه (٢).
بينما أيدّه من المتأخرين كل من مالك بن نبي فقال :
« ولسنا نعتقد بإمكان تأويلها إلا إذا ذهبنا إلى أنها مجرد إشارات متفق عليها ، أو رموز سريّة لموضوع محدد تام التحديد ، أدركته سراً ذات واعية ... (٣).
والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري فقال :
« والحق أنها بحسب المعنى من المتشابهات التي استأثر الله تعالى العلم بها لنفسه ، فلا يلزم الصاد الفحص عن حقيقتها ، وبذل الجهد في إدراكها وفهمها بل لا بد من إيكال الأمر إليه تعالى » (٤).
الثاني : أن المراد منها معلوم ، ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية ، وقد تداعت كلمات الأعلام في هذه الآراء حتى نقل الخلف عن السلف ، واستند اللاحق إلى السابق بنسبة إليه وبدون نسبة.
ونحاول فيما يلي أن نعطي كشفاً منظّماً بأبرز هذه الآراء ، ونعقبها بما نأنس به ، ونطمئن إلى مؤاده باعتباره جزءاً من كليّ فرائدها ، دون القطع بأنه مراد الله منها ، أو القول به (٥).
____________
(١) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان في تفسير القرآن : ١|٣٢.
(٢) ظ : الزركشي : البرهان في علوم القرآن : ١|١٧٣.
(٣) مالك بن نبي ، الظاهرة القرآنية : ٣١٢.
(٤) السبزواري ، مواهب الرحمان في تفسير القرآن : ١|٦٢.
(٥) ظ : للتوفيق بين هذه الآراء وتفاصيلها كلاً من : الطبري ، جامع البيان : ١|٥٠ + الطوسي ، التبيان : ١|٤٧ + الطبرسي ، مجمع البيان : ١|٣٣ + الزمخشري ، الكشاف : ١|٧٦ + الرازي ، مفاتيح الغيب + ابن الزمالكاني ، البرهان : ١|١٧٣ + الزركشي ، البرهان + السيوطي ، الاتقان : ٣|٢١.