هكذا مذهب سيبويه ، وهو الصحيح ، وقد نصّ عليه في باب ما لا ينصرف ، فقال : لو سمّيت بهما رجلا لصرفتهما معرفة ، ولو كانت للتأنيث لما انصرف الاسم.
على أنّ سيبويه قد تسمّح في بعض ألفاظه في الكتاب ، فقال : هما علامتا تأنيث (١) ، وإنما ذلك تجوّز منه في اللفظ ، لأنه أرسله غفلا (٢) ، وقد قيّده وعلّله في باب ما لا ينصرف (٣).
والأخذ بقوله المعلّل أولى من الأخذ بقوله الغفل المرسل.
ووجه تجوّزه أنه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيهما إلا مع المؤنث ، صارتا كأنهما علامتا تأنيث.
فإن قيل : فما علامة التأنيث في أخت وبنت؟
فالجواب أن الصيغة فيهما علم تأنيثهما ، وأعني بالصيغة فيهما بناءهما على فعل وفعل ، وأصلهما فعل ، وإبدال الواو فيهما لاما (٤) ، لأن هذا عمل اختصّ به المؤنث.
يدل أيضا على ذلك إقامتهم إياه مقام العلامة الصريحة ، وتعاقبهما على الكلمة الواحدة ، وذلك نحو : ابنة وبنت ، فالصيغة في بنت قامت مقام الهاء في ابنة ، فكما أن الهاء علم تأنيث لا محالة ، فكذلك صيغة بنت علم تأنيثها ، وليس بنت من ابن كصعبة من صعب ، إنما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن.
__________________
(١) قال سيبويه في باب النسب من الكتاب (٢ / ٨٢): «وأما بنت فإنك تقول : بنوي ، من قبل أن هذه التاء التي للتأنيث لا تثبت في الإضافة ، كما لا تثبت في الجمع بالتاء» ، وهذا ما يشير إليه المؤلف.
(٢) أرسله غفلا : قاله سهوا دون نظر وتمحيص بل جاء في أثناء الكلام.
(٣) قال سيبويه في الكتاب (٢ / ١٣): «وإن سميت رجلا ببنت أو أخت صرفته لأنك بنيت الاسم على هذه التاء ، وألحقتها ببناء الثلاثة ، كما ألحقوا سنبتة بالأربعة ، ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرف الذي قبلها ، فإنما هذه التاء فيها كتاء عفريت ، ولو كانت كألف التأنيث لم ينصرف في النكرة وليست كالهاء لما ذكرت لك ، وإنما هذه زيادة في الاسم ، بني عليها ، وانصرف في المعرفة.
(٤) لاما : حال ، وليست مفعول للمصدر «إبدال» ، والمعنى أنهم أبدلوا واو أخت وبنت إذ أصلهما أخوة وبنوة تاء في حين أنها في موقع اللام في الوزن.