فالجواب أن كيّة وذيّة لا يجوز أن يكون أصلهما كيوة وذيوة ، من قبل أنك لو قضيت بذلك لأجزت ما لم يأت مثله في كلام العرب ، لأنه ليس في كلامهم لفظة عين فعلها ياء ، ولام فعلها واو.
ألا ترى أن سيبويه قال : ليس في الكلام مثل : حيوت ، فأما ما أجازه أبو عثمان في الحيوان من أن يكون واوه غير منقلبة عن الياء ، وخالف فيه الخليل ، وأن يكون الواو فيه أصلا غير منقلبة ، فمردود عليه عند أصحابنا ، لادّعائه ما لا دليل عليه ، ولا نظير له ، وما هو مخالف لمذهب الجمهور ، وكذلك قولهم في اسم رجل : رجاء بن حيوة (١) ، إنما الواو فيه بدل من ياء ، وحسّن البدل فيه وصحة الواو أيضا بعد ياء ساكنة ، كونه علما ، والأعلام قد يحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها ، وذلك من وجهين :
أحدهما : الصيغة ، والآخر : الإعراب.
أما الصيغة فنحو قولهم : موظب ومورق وتهلل ومحبب ومكوزة ومزيد وموألة (٢) ، فيمن أخذه من وألت. ومعديكرب كان ينبغي أن يكون معدى ، لأن مفعل مما لامه معتلة لا يوجد إلا في حرف واحد ، وهو مأوي الإبل ، حكاها الفراء.
وأما الإعراب فنحو قولهم في الحكاية لمن قال : مررت بزيد : من زيد؟ ولمن قال : ضربت أبا بكر : من أبا بكر ، لأنّ الكنى تجرى مجرى الأعلام ، وكذلك أيضا صحّت حيوة بعد قلب لامها واوا ، وأصلها حيّة ، كما أن أصل حيوان : حييان ، فهذا إبدال التاء من الواو والياء لامين ، ولم أعلمها أبدلت منها عينين.
__________________
(١) رجاء بن حيوة بن جرول الكلبي ، عالم جليل ذو دين ورأي كان يجالس عمر بن عبد العزيز ويسديه نصائحه وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز ، توفي سنة ١١٢ ه.
(٢) موظب وما بعدها أعلام بعضها أعلام أشخاص وهي (مورق ، محبب ، مكوزة ، مزيد ، موالة) وبعضها اسم موضع (موظب) ، وبعضها علم جنس (تهلل : علم للباطل) ، وقياسها أن تكون مورق وموظب وموئلة بكسر ثالثها تبعا لمضارعها المكسور ، وتهل ومحب ، بالإدغام ، ومكازة ومزاد ، بقلب الواو والياء ألفا ، كما هو معلوم في التصريف.