وكذلك قولهم : قرب حذحاذ ، وحثحاث : إذا كان سريعا ، وهو طلب الماء ، ليس أحدهما بدلا من صاحبه ، لأن حثحاثا من قول تأبط شرّا :
كأنما حثحثوا حصّا قوادمه |
|
أو أمّ خشف بذي شثّ وطبّاق (١) |
أي أسرعوا به ، وحذحاذ : من معنى الشيء الأحذّ ، ويقال : صريمة (٢) حذّاء : إذا كانت ماضية ، وحذحاذ وإن لم تكن من لفظ أحذّ ، فإنها قريبة منه ، ولا تجد هذين اللفظين إلا بمعنى واحد ، وذلك نحو : ململت وملّلت ، ورقرقت ورقّقت ، ألا ترى أن اتفاق معنيهما قد حمل البغداديين على أن قالوا إن الأصل في حثحثت : حثّثت ، وفي رقرقت : رقّقت.
وقرأت على أبي علي عن أبي بكر عن العباس للفرزدق (٣) :
تفيهق بالعراق أبو المثنّى |
|
وعلّم أهله أكل الخبيص |
أأطعمت العراق ورافديه |
|
فزاريّا أحذّ يد القميص (٤) |
يصفه بالغلول وسرعة اليد ، ومن هنا سمّى الخليل «فعلن» في الكامل (٥) : أحذّ ، لأن أصله «متفاعلن» ، فلما حذف الوتد من آخره ، بقي «متفا» ، فنقل إلى «فعلن». فلما قطع آخر الجزء ، قلّ وأسرع انقضاؤه وفناؤه ، فسمّاه أحذّ لذلك.
__________________
(١) سبق شرح هذا البيت.
(٢) الصريمة : العزيمة. مادة (ص ر م) اللسان (٤ / ٢٤٣٨).
(٣) الفرزدق : أبو فراس همام بن غالب التميمي الدارمي. ولد سنة ١٩ ه ، وتوفى سنة ١١٤ ه ونشأ بين البصرة والبادية ، ومدح الخلفاء وكان مقربا منهم.
(٤) في البيتين يعاتب الفرزدق يزيد بن عبد الملك في تقديم أبي المثنى عمر بن هبيرة الفزاري على العراق ويهجو ابن هبيرة. تفيهق : توسع وتفتح بالبزخ. مادة (ف ق ه) اللسان (٥ / ٣٤٥٠). الخبيص : نوع من الحلواء ، مخبوص أي مخلوط. والرافدان : دجلة والفرات. ورجل أحذ : سريع اليد خفيفها ، كناية عن الغلول والخيانة في المغانم. وقيل الأحذ : المقطوع ، كناية عن قصر اليد عن نيل المعالي ، ولا يحسن بمن هذه صفته أن يتولى إمارة العراق. الشاهد : شرحه ابن جني في المتن.
(٥) الكامل : بحر من بحور الشعر وزنه ـ متفاعلن ست مرات.