وهذا غير مرضيّ عندنا من قوله ، وذلك أنه قد اطّرد عنهم اسطعت بكسر الهمزة ، وكونها همزة وصل ، فهذا يدل على أنهم إذا أرادوا استفعلت ، وحذفوا التاء وهم يريدونها ، بقّوا الهمزة موصولة مكسورة بحالها قبل حذف التاء.
ويؤكّد ما قال سيبويه من أن السين عوض من ذهاب حركة العين ، أنهم قد عوّضوا من ذهاب حركة هذه العين حرفا آخر غير السّين ، وهو الهاء في قول من قال : أهرقت (١) ، فسكّن الهاء ، وجمع بينها وبين الهمزة ، فالهاء هنا عوض من ذهاب فتحة العين ، لأن الأصل : أروقت أو أريقت ، بل الصّواب أريقت ، والواو عندي أقيس لأمرين :
أحدهما : أن كون عين الفعل واوا أكثر من كونها ياء فيما اعتلت عينه.
والآخر : أن الماء إذا أهريق ظهر جوهره وصفاؤه ، فراق رائيه يروقه ، فهذا أيضا يقوّي كون العين منه واوا. وعلى أنه قد حكى الكسائي : راق الماء يريق : إذا انصب ، وهذا قاطع بكون العين ياء ، ثم إنهم جعلوا الهاء عوضا من نقل فتحة العين عنها إلى الفاء ، كما فعلوا ذلك في أسطاع ، فكما لا يكون أصل أهرقت استفعلت ، فكذلك ينبغي ألا يكون أصل أسطعت أستفعلت.
قرأت على أبي الفرج عليّ بن الحسين ، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي ، لعبد العزيز بن وهب مولى خزاعة ، يقوله لكثيّر (٢) :
فأصبحت كالمهريق فضلة مائه |
|
لضاحي سراب بالملا يترقرق (٣) |
وقالوا في مصدره : إهراقة ، كما قالوا : إسطاعة.
__________________
(١) أهرقت : أريقت. مادة (ه ر ق) اللسان (٦ / ٤٦٥٤).
(٢) كثير : هو كثير بن عبد الرحمن الخزاعي وهو ابن أبي جمعة وكنيته أبو صخر ، وهو عند أهل الحجاز ، أشعر من كل من قدمنا عليه.
(٣) ضاحي السراب : باديه وظاهره ، والسراب عبارة عن انعكاس أشعة الشمس على الرمال فيخيل للعين من بعيد أنها ماء. مادة (س ر ب) اللسان (٣ / ١٩٨٢). يترقرق : يتحرك ويضطرب ، أو يجري جريا سهلا وبتسلسل ، ويقال : ترقرق الدمع في العين : دار في باطنها. مادة «رقق». اللسان (٣ / ١٧٠٨).