فإنه أراد خبطت ، ولو قال خبطت لكان أقيس اللغتين ، وذلك أنّ هذه التاء ليست متصلة بما قبلها اتصال تاء افتعل بمثالها الذي هي فيه ، ولكنه شبّه تاء خبطت بتاء افتعل من حيث أذكره لك ، فقلبها طاء ، لوقوع الطاء قبلها ، كقولك اطّلع واطّرد ، وعلى هذا قالوا : فحصط برجلي ، كما قالوا اصطبر.
ووجه شبه تاء فعلت بتاء افتعل أنها ضمير الفاعل ، وضمير الفاعل قد أجري في كثير من أحكامه من الفعل مجرى بعض أجزاء الكلمة من الكلمة ، وذلك لشدة اتصال الفعل بالفاعل ، واستدلّ أبو عليّ على شدة
اتصال الفعل بالفاعل بأربعة أدلّة ، واستدللت أنا أيضا بخمسة أدلة أخر غير ما استدل به هو ، وأنا أورد ما قال في ذلك ، وأتليه ما رأيته ، والله الموفّق.
فما استدل به على شدة اتصال الفعل بالفاعل تسكينهم لام الفعل إذا اتصلت به علامة ضمير الفاعل ، وذلك نحو ضربت ودخلت وخرجت ، وإنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يقولوا : ضربت ودخلت وخرجت ، لتوالي أربعة متحركات ، فلو لا أنهم قد نزّلوا التاء من ضربت منزلة راء جعفر منه ، لما امتنعوا من أن يقولوا ضربت ، ولكنه لمّا لم يوجد في كلامهم كلمة اجتمعت فيها أربعة متحركات ، ونزّلت التاء من فعلت منزلة جزء من الفعل ، أسكنوا اللام ، كراهية اجتماع المتحركات ، ألا ترى أنهم لا يكرهون هذا التوالي إذا اتّصل الفعل بضمير المفعول ، وذلك نحو : ضربك وضربه ، وذلك أنه ليس لضمير المفعول من الاتصال بالفعل ما لضمير الفاعل ، لأن الفعل لا بد له من فاعل البتة ، وقد يستغنى عن المفعول في كثير من أحكامه.
__________________
الشرح : شبه إصابة الناس بالنعم بخبط الراعي ورق الشجر ، ليطعم ماشيته. ويشير بقوله «في كل حي قد خبطت بنعمة» إلى إطلاق الحارث بن أبي شمر أسارى بني أسد لما شفع إليه فيهم النابغة فجاء علقمة بعد هذا يشفع في أسارى بني تميم وفيهم أخوه شأس ، وللقصيدة قصة مفصلة في كتاب «الشعر والشعراء» لابن قتيبة في ترجمة علقمة ، وفي تاريخ ابن الأثير (١ / ٤٠١). الشاهد : شرحه المؤلف في المتن. إعراب الشاهد : خبطت : فعل ماضي مبني على السكون والتاء : ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل.