والوجه الآخر الذي أجازه أبو علي (١) في قوله «عن قتلا لي» : أنه قال : يجوز أن يكون أراد «أن قتلا لي» أي أن قتلتني قتلا ، فأبدل الهمزة عينا. فهذا أيضا من عنعنة تميم.
وقولهم «عنعنة» مشتقّ من قولهم «عن ، عن ، عن» في كثير من المواضع ، ومجيء النون في العنعنة يدل على أن إبدالهم إياها إنما هو في همزة «أن» دون غيرها.
وقد اشتقت العرب أفعالا ومصادر من الحروف.
أخبرني أبو عليّ أن بعضهم قال : سألتك حاجة فلا ليت لي ، وسألتك حاجة فلوليت لي ، أي قلت لي في الأول : لا ، وفي الثاني : لو لا. وقد اشتقوهما أيضا من الأصوات ، قالوا : بأبأ الصبيّ أبوه : إذا قال له : بأبي. وبأبأه الصبيّ إذا قال له : بابا. وقال الفراء : بأبأت بالصّبيّ بئباء : إذا قلت له : بئبا (٢).
وقالوا : صهصهت بالرجل : إذا قلت له : صه (٣) صه. وقد قالوا أيضا : صهصيت ، فأبدلوا الياء من الهاء ، كما قالوا : دهديت الحجر ، وأصله دهدهته (٤) والدلالة على أنه من الهاء قولهم دهدوهة الجعل لدحروجته.
وقال أبو النجم :
كأنّ صوت جرعها المستجل |
|
جندلة دهديتها في جندل (٥) |
__________________
(١) أبو علي : هو أبو علي الفارسي ، عالم نحوي عربي.
(٢) في لسان العرب مادة «بأبأ» (١ / ١٩٨) : وقال الفراء : بأبأت بالصبي بئباء ، إذا قلت له : بأبي ، وفيه أيضا إذا قلت : بأبي أنت ، فالباء في أول الاسم حرف جر بمنزلة اللام في قولك : لله أنت ، فإذا اشتققت منه فعلا اشتقاقا صوتيا ، استحال ذلك التقدير فقلت : بأبأت به بئباء ، وقد أكثرت من البأبأ ، فالباء الآن في لفظ الأصل وإن كان قد علم أنها فيما اشتقت منه زائدة للجر ، وعلى هذا منها «البأب» فصار فعلا من باب سلس وخلق ، قال :
يا بأبي أنت ويا فوق البئب
فالبئب الآن بمنزلة الضلع والعنب.
(٣) صه : اسم فعل أمر بمعنى اسكت.
(٤) دهدهته : أي دحرجته. مادة (د. ه. د). اللسان (٢ / ١٤٣٧).
(٥) الضمير في جرعها : لعله عائد إلى الناقة. ـ والجندل : الحجارة ، الواحدة : جندلة. مادة (ج ن د ل) اللسان (١ / ٦٩٩). يقول : إن لجرعها الماء قعقعة تشبه صوت وقوع بعض الحجارة على بعض. الشاهد : «جندلة دهديتها في جندل». إعراب الشاهد : جندلة : خبر كأن مرفوع. دهديتها : فعل وفاعل ومفعول. في جندل : جار ومجرور.