فأما قولهم لفلان صيت إذا انتشر ذكره في الناس ، فمن هذا اللّفظ ، إلا أنّ واوه انقلبت ياء لانكسار الصاد قبلها ، وكونها ساكنة ، كما قالوا ريح من الرّوح ، وقيل من القول ، وكأنهم بنوه على فعل ، للفرق بين الصوت المسموع ، وبين الذكر المتعالم ، على أنهم قد قالوا أيضا : قد انتشر صوته في الناس ، يعنون به الصيّت (١) الذي هو الذكر ، والصيّت في هذا المعنى أعمّ وأكثر استعمالا من الصوت ، ولا يستعمل الصيّت إلا في الجميل من الذكر ، دون القبيح.
والصّوت مذكر ، لأنه مصدر بمنزلة الضرب والقتل والغدر والفقر.
فأما قول رويشد بن كثير الطّائي :
يأيّها الرّاكب المزجي مطيّته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت (٢) |
فإنما أنثه لأنه أراد الاستغاثة. وهذا من قبيح الضرورة ، أعني تأنيث المذكر ؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع ، وإنما المستجاز من ذلك ردّ التأنيث إلى التذكير ، لأنّ التذكير هو الأصل ، بدلالة أنّ «الشيء» مذكّر ، وهو يقع على المذكر والمؤنث.
فعلمت بهذا عموم التذكير ، وأنّه هو الأصل الذي لا ينكسر.
ونظير هذا في الشذوذ قوله ، وهو من أبيات الكتاب :
إذا بعض السّنين تعرّقتنا |
|
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (٣) |
__________________
(١) الصيت : انقلبت الواو ياء لانكسار الصاد قبلها.
(٢) يأيها الراكب المزجى مطيته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصوت |
هذا البيت لرويشد بن كثير الطائي ، ذكره صاحب اللسان (٤ / ٢٥٢١). المزجى : السائق برفق ، يقال : الريح تزجي السحاب : أي تسوقه سوقا رفيقا. لسان (٣ / ١٨١٥) والصوت : الجرس الذي يحدث من اصطدام جسم بآخر ، فتحمله موجات الهواء إلى الأذن ، وهو مذكر ، وإنما أنثه الشاعر هنا لأنه أراد به الضوضاء والجلبة أو الاستعانة. وابن جني قبح هذا الشاهد الذي يتم فيه تأنيث المذكر لأنه خروج عن أصل إلى فرع ، وأجاز العكس أي رد التأنيث إلى التذكير لأن التذكير هو الأصل. إعراب الشاهد : الصوت : خبر مرفوع.
(٣) إذا بعض السنين تعرقتنا |
|
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم |