وقد أبدلت العين من الحاء في بعض المواضع : قرأ بعضهم : «عتّى حين» يريد : (حَتَّى حِينٍ) [المؤمنون : ٥٤] ، ولو لا بحّة (١) في الحاء لكانت عينا ، كما أنه لو لا إطباق (٢) في الصاد لكانت سينا ، ولو لا إطباق في الطاء لكانت دالا ، ولو لا الإطباق في الظاء لكانت ذالا ، ولأجل البحّة التي في الحاء ، ما يكررها الشارق (٣) في تنحنحه.
وحكي أن رجلا من العرب بايع أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح ، فشرب بعضه ، فلما كظّه (٤) الأمر قال : كبش أملح ، فقيل له : ما هذا؟ تنحنت. فقال : من تنحنح ، فلا أفلح ، وكرّر الحاء مستروحا إليها ، لما فيها من البحّة التي يجري معها النّفس ، وليست كالعين التي تحصر النّفس ، وذلك لأن الحاء مهموسة ومضارعة بالحلقية والهمس للهاء الخفية ، وليست فيها نصاعة العين ولا جهرها.
وحكى ابن الأعرابي عن أبي فقعس في صفة الكلأ : خضع مضع (٥) ، ضاف رتع. قال : أراد أن الإبل تخضع (٦) فيه وتمضغه. فأبدل الغين عينا.
__________________
(١) البحة : غلظ الصوت وخشونته من داء ، أو كثرة الصياح ، أو تضع في غناء وقد يكون خلقة. مادة (بحّ). اللسان (١ / ٢١٥).
(٢) الإطباق : أن ترفع في النطق طرفي اللسان إلى الحنك الأعلى مطبقا له فيفخم نطق الحرف. وحروف الإطباق هي : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء. مادة (طبق).
(٣) الشارق : الذي يغص بالماء. مادة (شرق). اللسان (٤ / ٢٢٤٧).
(٤) كظّه : ملأه. مادة (كظّ). اللسان (٥ / ٣٨٨٥).
(٥) عبارة اللسان : خضع مضع ، ضاف رتع. كذا حكاه ابن جني بالعين المهملة. قال : أراد : مضغ ، فأبدل العين مكان الغين للسجع ، ألا ترى أن قبله خضع ، وبعده رتع.
(٦) يفهم من عبارة المؤلف أن الخضوع صفة للإبل مع أن الكلام في صفة الكلأ. قال في اللسان : ونبات خضع : منثن من النعمة كأنه منحن. اللسان (٢ / ١١٨٨). قال ابن سيده : وهو عندي على النسب ، لأنه لا فعل يصلح أن يكون خضع محمولا عليه. والكلأ المضغ : هو الذي بلغ أن تمضغه الراغية. والضافي : الكثير الطويل. مادة (ض ف ا) اللسان (٤ / ٢٥٩٨). والرتع : الذي ترتع فيه الماشية ، أي ذو رتع ، وهو على النسب. اللسان (٣ / ٥١٧٧).