والوجه أن تكون الفاء بدلا من الثاء ، لأنهم قد أجمعوا في الجمع على أجداث ، ولم يقولوا أجداف.
وأما قولهم فناء الدار وثناؤها (١) فأصلان ، أما فناؤها فمن فني يفنى ، لأنها هناك تفنى ، لأنك إذا تناهيت إلى أقصى حدودها فنيت. وأما ثناؤها فمن ثنى يثني ، لأنها هناك أيضا تنثنى عن الانبساط ، لمجيء آخرها ، وانقضاء حدودها.
فإن قلت : هلّا جعلت إجماعهم على أفنية بالفاء دلالة على أن الثاء في ثناء بدل من الفاء في فناء ، كما زعمت أن فاء جدف بدل من ثاء جدث ، لإجماعهم على أجداث بالثاء ، فالفرق بينهما وجودنا لثناء من الاشتقاق ما وجدناه لفناء ، ألا ترى أن الفعل يتصرف منهما جميعا ، ولسنا نعلم لجدف بالفاء تصرف جدث ، فلذلك قضينا بأن الفاء بدل من الثاء.
وأما قول العجاج :
وبلدة مرهوبة العافور (٢)
فذهب فيه يعقوب إلى أنه من عثر يعثر ، أي وقع في الشرّ ، وذهب إلى أن الفاء من عافور بدل من الثاء ، بما اشتقّ له. والذي ذهب إليه وجه ، إلا أنا إذا وجدنا للفاء وجها نحملها فيه على أنها أصل لم يجز الحكم بكونها بدلا إلا على قبح وضعف تجويز.
وذلك أنه قد يجوز أن يكون قولهم : وقعوا في عافور ، فاعولا من العفر (٣) ، لأن العفر من الشدة أيضا ، ولذلك قالوا : عفريت لشدته ، ومثاله : فعليت منه ، ويشهد لهذا قولهم : وقعنا في عفرّة ، أي اختلاط وشدة ، وأما أفرّة ففعلّة ، من أفر
__________________
(١) ثناء الدار : طرفيها. مادة (ث ن ى) اللسان (١ / ٥١٧).
(٢) هذا بيت من مشطور الرجز من أرجوزة للعجاج عدد أبياتها ١٧٢ بيتا ، وبيت الشاهد هو الأربعون ـ فيها ـ وروايته : بل بلد ... إلخ. العافور : الشدة. مادة (ع ف ر) اللسان (٤ / ٣٠١١). موضع الشاهد في كلمة «العافور» كما شرح ذلك المؤلف. إعرابها : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.
(٣) العفر : يقال أسد عفر وعفرية وعفارية وعفريت وعفرتي : شديد قوي. مادة (ع. ف. ر)