ويؤنسك بجواز كون الثاء بدلا من الفاء إجماعهم في بيت امرئ القيس :
ومرّ على القنان من نفيانه |
|
فأنزل منه العصم من كل منزل (١) |
على الفاء ، ولم نسمعهم قالوا : نثوانه. وذهب بعض أهل التفسير في قوله عز اسمه : «وفومها» إلى أنه أراد الثّوم ، فالفاء على هذا بدل عنده من الثاء.
والصواب عندنا : أن الفوم الحنطة (٢) وما يختبز من الحبوب ، يقال : فوّمت الخبز ، أي خبزته ، وليست الفاء على هذا بدلا من الثاء.
واعلم أن الفاء إذا وقعت في أوائل الكلم غير مبنية من أصلها ، فإنها في الكلام على ثلاثة أضرب : ضرب تكون فيه للعطف والإتباع جميعا ، وضرب تكون فيه للإتباع مجردا من العطف ، وضرب تكون فيه زائدة ، دخولها كخروجها ، إلا أن المعنى الذي تختص به وتنسب إليه ، هو معنى الاتباع (٣) ، وما سوى ذلك فعارض فيها غير ملازم لها.
__________________
إعرابه : كأنّ : حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. متنيه : اسم كأن منصوب وعلامة نصبه الياء عوضا عن الفتحة لأنه مثنى ، والهاء : ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. من النفي : جار ومجرور.
(١) البيت من معلقته ، ورواية الأعلم الشنتمري للشطر الأول منه هكذا : وألقى بسيان من الليل بركة وفي رواية الزوزني والتبريزي كرواية المؤلف. بسيان : جبل في ديار بني سعد. القنان : جبل لبني أسد ، وقيل جبل بأعلى نجد. مادة (ق ن ن) اللسان (٥ / ٣٧٥٩). نفيان السحاب : ما نفاه من مائه فأساله ، أو هو الرش والبرد في أول المطر. العصم : جمع أعصم ، وهو الوعل الذي في وظيفي يديه عصمة. أي بياض. يريد أن المطرق لزم هذا الجبل حتى أنزل منه العصم المستقرة فيه. موضع الشاهد فيه : «ومرّ على القنان من نفيانه». إعراب الشاهد : مر : فعل ماضي مبني على الفتح. على القنان : جار ومجرور. من نفيانه : جار ومجرور ، والهاء : في محل جر مضاف إليه.
(٢) الحنطة : القمح (ج) حنط. مادة (ح ن ط) اللسان (٢ / ١٠٢٣).
(٣) الظاهر من تمثيل المؤلف للأضربة الثلاثة. أنه يريد بالإتباع معنى التعقيب والربط.